السائل الذي يخرج من القبل- الذكر أو الفرج- عادة أربعة أنواع: البول والمذي والودي والمني.
والبول والمذي والودي نجس، لا بد من تطهير ما يصيبه بغسله ويجب منهما الوضوء بعد غسلهما، والمني طاهر على الرأي الراجح ويجب منه الغسل ، أما الرطوبة التي تخرج من قبل المرأة وتعرف برطوبة الفرج في غير مرض فهي طاهرة ولا يجب بسببها شيء والتفصيل فيما يلي: .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب الطهارة :
أول النجاسات وأظهرها: ما يفرزه الإنسان من البول والغائط، وهما مستقذران بالفطرة السليمة، وبالأدلة الشرعية، مثل ما جاء في البول: “استنزهوا من البول” وفي رواية: ” فإن عامة عذاب القبر منه”.
وجاء في الصحيحين وغيرهما عن الاثنين اللذين يعذبان في قبرهما، ومَرَّ بهما الرسول الكريم، فقال:”أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله”.
والتخفيف من الشرع في غسل بول الصبي: لا ينفي أصل نجاسته.
وإذا كان البول نجسا، فإن الغائط أشد منه وأخبث بالفطرة وبالشرع أيضا، ولذا لعن من يتغوط ـ أو يتَخَلَّى ـ في الظِّل أو في الموارد أو في الطريق.
روى أحمد ومسلم في صحيحه وأبو داود عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: ” اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم .
وروى أبو داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن معاذ مرفوعا: ” اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل” .
ونجاسة بول الإنسان وغائطه مما أجمعت عليه الأمة بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها، ولم يخالف فيه أحد. بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة، حيث يشترك في معرفته الخاص والعام، والحضري والبدوي، والمتعلم والأمي أ. هـ
والودي ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول، وهو كالبول نجس باتفاق ولا يجب منه الاغتسال، روى البيهقي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والمذي هو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو عند الملاعبة ، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه ، ويكون من الرجل والمرأة إلا أنه من المرأة أكثر ، وهو نجس باتفاق العلماء ، إلا أنه إذا أصاب البدن وجب غسله وإذا أصاب الثوب اكتفى فيه بالرش بالماء ؛ لأن هذه نجاسة يشق الاحتراز عنها لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب ، فهى أولى بالتخفيف من بول الغلام .
ما هو المذي والوذي وما حكم كل منهما:
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب الطهارة :
ويلحق بالبول: المَذْي والوَدْي. والمذي: ما يخرج من الذكر عند المداعبة الجنسية، أو تكرار النظر بشهوة إلى المرأة، أو التفكير الحالم في هذا الجانب، وهو يخرج بلا تدفق.
أما الودي، فهو نقطة أو نقط لزجة تخرج عقب البول.
فكل من المذي والودي يخرج من مجرى البول، وله حكم البول في نقض الوضوء، وفي النجاسة، وإن كان المذي قد ورد تخفيف في تطهيره من رسول الله ﷺ، نظرا لكثرة ما يبتلى به الرجال عامة والشباب خاصة.
فقد روى أبو داود والترمذي ـ وقال: حسن صحيح ـ وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحة عن سهل ابن حنيفة قال: “كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر الاغتسال منه، فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله، فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك، حيث ترى أنه أصابه”.
فدل هذا الحديث على أن مجرد النضج يكفي في رفع نجاسة المذي. ولا يصح أن يقال هنا ما قيل في المني: إن سبب غسله كونه مستقذرا، لأن مجرد النضح لا يزيل عين المذي كما يزيله الغسل، فظهر بهذا أن نضحه واجب وأنه نجس خفف تطهيره أ . هـ.
ما هو حكم المني:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) ما خلاصته:
مني الآدمي فيه أقوال ثلاثة:
أحدها :أنه نجس كالبول ، فيجب غسله رطبا ويابسا من البدن والثوب . وهذا قول مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وطائفة .
وثانيها :أنه نجس ، يجزئ فرك يابسه ، وهذا قول أبي حنيفة ، وإسحاق ، ورواية عن أحمد .
وثالثها :إنه مستقذر كالمخاط والبصاق ، وهذا قول الشافعي ، وأحمد في المشهور عنه ، وهو الذي نصرناه
والدليل عليه وجوه :
أحدها :ما أخرج مسلم وغيره ، عن عائشة قالت : ” كنت أفرك المني من ثوب رسول ـ ﷺ ـ ثم يذهب فيصلي فيه. وروي في لفظ الدارقطني : “ كنت أفركه إذا كان يابسا ، وأغسله إذا كان رطبا ” . فهذا نص في أنه ليس كالبول يكون نجسا نجاسة غليظة . فبقي أن يقال : يجوز أن يكون نجسا ، كالدم ، أو طاهرا كالبصاق . لكن الثاني أرجح ; لأن الأصل وجوب تطهير الثياب من الأنجاس قليلها وكثيرها ، فإذا ثبت جواز حمل قليله في الصلاة ثبت ذلك في كثيره ، فإن القياس لا يفرق بينهما .
فإن قيل : فقد أخرج مسلم في صحيحه ، عن عائشة : ” أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يغسل المني ، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه ” . فهذا يعارض حديث الفرك في مني رسول ـ ﷺ ـ ، والغسل دليل النجاسة فإن الطاهر لا يطهر . فيقال : هذا لا يخالفه ; لأن الغسل للرطب ، والفرك لليابس ، كما جاء مفسرا في رواية الدارقطني ، أو هذا أحيانا وهذا أحيانا ، وأما الغسل فإن الثوب قد يغسل من المخاط والبصاق والنخامة استقذارا لا تنجيسا ; ولهذا قال سعد بن أبي وقاص وابن عباس : أمطه عنك ولو بإذخرة ، فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق .
الدليل الثاني :ما روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح ، عن عائشة قالت : ” كان رسول الله ـ ﷺ ـ يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ، ثم يصلي فيه ، ويحته من ثوبه يابسا ، ثم يصلي فيه ” . وهذا من خصائص المستقذرات ، لا من أحكام النجاسات ، فإن عامة القائلين بنجاسته لا يجوزون مسح رطبه .
الدليل الثالث :ما احتج به بعض أولينا ، بما رواه إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : ” سئل النبي عن المني يصيب الثوب ؟ فقال : ” إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة ” .
قال الدارقطني : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق ، عن شريك ، قالوا : وهذا لا يقدح ; لأن إسحاق بن يوسف الأزرق أحد الأئمة ، وروى عن سفيان وشريك وغيرهما ، وحدث عنه أحمد ومن في طبقته ، وقد أخرج له صاحبا الصحيح ، فيقبل رفعه وما ينفرد به .
الدليل الرابع :أن الأصل في الأعيان الطهارة ، فيجب القضاء بطهارته حتى يجيئنا ما يوجب القول بأنه نجس ، وقد بحثنا وصبرنا فلم نجد لذلك أصلا ، فعلم أن كل ما لا يمكن الاحتراز عن ملابسته معفو عنه ، ومعلوم أن المني يصيب أبدان الناس، وثيابهم ، وفرشهم بغير اختيارهم أكثر مما يلغ الهر في آنيتهم أ . هـ
الإفرازات التي تخرج من قبل المرأة:
يقول الدكتور مصطفى الزرقا أستاذ الشريعة بالجامعات العربية ـ رحمه الله ـ عن الإفرازات التي تخرج من قبل المرأة في الحالات العادية :
سُئلت فيما مضى كثيرًا عن هذا الموضوع ، وكنت أبيِّن شفهيًّا للسائلين من رجال ونساء أن هذا السائل اللّزِج الذي يخرج من المرأة في الحالات العادية (لا في الحالات المرضيّة) ، ويسمِّيه الناس (الطُّهر) ، ليس بنجِس شرعًا ولا ينقض وضوء المرأة ، كما يقرِّره الفقهاء ، ومن السائلين من يَستغرب هذا الجواب ؛ لأنهم متصورون خلافه ، ويتأكّد مني فأؤكد لهم . كأنما كل ما فيه تيسير وتسامح ودفع للحرج والمشقّة فيما يتَّصل بواقع الحياة الطبيعيّة ، يراه أناس غريبًا ، حتّى كأن معنى الشريعة لا يتحقق إلا في الإرهاق والمشقّة ، مع أن هذه الشريعة الغرّاء السمحة أساسها التيسير ودفع الحرج .
قال في كتاب الطهارة من (الدر المختار) أول بحث نواقِض الوضوء : ” وينقُضه خروج كلِّ خارج نجِس “
وقال أيضًا فى بحث الغسل : (صفحة 112 الطبعة البولاقية الأولى) : ” وسيجيء أن رطوبةَ الفَرج طاهِرة عنده ” .
أي : عند الإمام أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ خلافًا لصاحبيه . ثم أوضح ابن عابدين (رحمه الله) في الحاشية هنا أن محَلَّ الخلاف بين أبي حنيفة والصاحبين إنما هي رطوبة الفرج الداخلي ـ وهو الذي لا يجِب غَسله في حال لزوم الغُسل من الجنابة ـ أما رطوبة الفَرج الخارجي فهي طاهرة بالاتفاق ؛ لأنها كرطوبة الفم والأنف والعَرق .
ونقل ابن عابدين في مكان آخر بعد ذلك (صفحة 208 من الطبعة المذكورة) عن ابن حجر في شرح منهاج الإمام النووي الشافعي ، تفسير رطوبة الفرج بأنها : ” هي ماء أبيضُ متردِّد بين المَذْي والعَرق ، يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غَسله ، أمّا ما يخرج من المكان الظّاهر الذي يجب غسله فإنه طاهر قطعًا (أي : بلا خلاف)
وقال أيضًا صاحب (الدر) في (الصفحة 233 من الطبعة المذكورة) : ” رطوبة الفرج طاهرة خِلافًا لهما ” أي : للصّاحبين . وقال ابن عابدين فى الحاشية تعليقًا عليه : ” ولذا نقل في التتارخانيّة أن رطوبة الولد عند الولادة طاهرة ، وكذا السّخلة إذا خرجَتْ من أمِّها ، وكذا البَيضة ، فلا يتنجَّس بها الثوب ولا الماء ” أهـ .