الواجب في طلب العلم أن يكون خالصا لوجه الله أولا ، وإن جعل الله تعالى له العلم سبيلا للرزق ، فقد جمع الله تعالى له خيرين ، ولكن لا ينبغي أن يكون طلب العلم للشهرة أو المال أو السلطان كهدف أساسي من التعلم ، ولا تعارض بين الارتزاق بالعلم ، والإخلاص في طلبه، فيقدم المسلم الإخلاص أولا ، ثم لا مانع من أن يبتغي بالعلم رزقا حلالا ، أو غيره مما يبتغي به وجه الله ،فيكون الإخلاص هو أساس الطلب وأساس العمل .

كيف يكون الإخلاص في طلب العلم:

يقول الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي سلطنة عمان:

كما يُطلب من الإنسان أن يكون مخلصاً في عمله، يُطلب منه أيضاً أن يكون مخلصاً في علمه، ومخلصاً في تعليمه هذا العلم، ذلك لأن العلم أمانة الله تبارك وتعالى، وهذه الأمانة تستوجب الإخلاص، وقد رأيتم ما يدل عليه حديث أبي هريرة من أن صاحب القرآن -والعياذ بالله- إن ابتغ به غير وجه الله، ولو قام به آناء الليل وآناء النهار، إنما هو من أوائل الذين تُسعّر بهم النار يوم القيامة.

-فعلى الإنسان أن يطلب العلم لوجه الله تعالى.

-وأن يحرص على ألاّ يُريد بهذا العلم الذي يطلبه مناصب دنيوية، ولا منافع عند الناس، ولا سمعة وشهرة بينهم، وإنما يحرص كل الحرص على أن يتعلم العلم لوجه الله تعالى، بحيث يكون تعلّمه لأجل أن يعبد الله عزّ وجل على بصيرة.

-وأن يفيد الناس ممّا يتعلمه.

-وأن يدعو إلى الله عزّ وجل على بصيرة، لأن العبادة أمانة في الأعناق، وَلَئِنْ كان الإنسان عندما يعمل عملاً دنيوياً -أي عمل كان- يتعلم كيفية أدائه أولاً ليُحسن هذا العمل، فكيف بالعمل أخروياً؟ كيف إذا كان الأمر عبادة الله التي نيطت بها رسالات السماء؟ فجميع الرسالات توافدت على هذا المحيط الأرضي لأجل تطويع الناس لله بحيث يُخلصون له عبادتهم.

جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:”مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه ، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ” وهناك رواية عند الترمذي من طريق كعب بن مالك ومن طريق أبي هريرة ومن طريق ابن عمر رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة، وهي تتفق في المعنى مع رواية أنس عند الربيع.
كل هذه الروايات تفيد على أن طلب العلم عبادة، فيجب على طالب العلم أن يُخلص هذه العبادة لله، وإلا دخل في الشرك الخفي، فلا بد من أن تكون هذه العبادة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، فلا يبتغي بطلب العلم ثناءً ولا نيل مرتبة دنيوية.

الإسترزاق من طلب العلم:

إن يسّر الله تبارك وتعالى لطالب العلم الرزق، وآتاه إياه بسبب ما آتاه من العلم، فقد ضاعف الله تبارك وتعالى له الخير، وتضاعف عليه الواجب؛ أن يشكر هذا الخير الذي آتاه الله، وَلَئِنْ أراد الإنسان وجه الله سبحانه وتعالى فابتغى بطلبه العلم أو بأي عمل من أعماله وجه الله؛ جمع الله تبارك وتعالى له خير الدنيا والآخرة قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَالَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ) (الشورى 20).

فإن ابتغى بطلبه العلم وجه الله تبارك وتعالى فالله كفيل برزقه، ولكن عليه أن لا يسعَ لأجل نيل المراتب في هذه الحياة الدنيا، ولأجل التوصل إلى أن يَخْتِل الدنيا بالدين -كما جاء في الحديث- وإنما عليه أن يقصد ابتغاء ما عند الله قال تعالى (وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى). (القصص 60) .