الإجهاض في أصله محرم، وإذا كان خوفاً من الفقر الحاضر أو المستقبل فهو أشد حرمة، لأنه دليل على عدم التوكل على الله في الرزق وعلى ضعف اليقين بوعد الله عز وجل. وقد أنكر الله تعالى على أهل الجاهلية قتل أولادهم خشية الفقر وتكفل سبحانه بالرزق للآباء وللأولاد.

قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
(‏وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) الإسراء 31 .

هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته ـ فقره ـ فنهى الله تعالى عن ذلك وقال “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق” أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال ـ المستقبل ـ ولهذا قدم الاهتمام برزقهم فقال “نحن نرزقهم وإياكم” وفي الأنعام “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ” الأنعام 151 .  أي من فقر حاضر ـ فقدم الاهتمام برزق الآباء فقال:ـ “نحن نرزقكم وإياهم ” .
وقوله: “إن قتلهم كان خِطْأً كبيرًا” أي ذنبا عظيما وقرأ بعضهم: “كان خَطَأ كبيراً” وهو بمعناه .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال “أن تجعل لله ندا وهو خلقك – قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك – قلت ثم أي؟ قال أن تزاني بحليلة جارك”.(انتهى)

ويقول الإمام الطبري: وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة, فوعظهم الله في ذلك, وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله فقال ) نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا( (انتهى)

فالواجب على الزوجين إن فعلا هذا هو التوبة النصوح إلى الله تعالى . فهذا الحكم ينطبق على الإجهاض إذا كان بعد نفخ الروح في الجنين بمضي أربعة أشهرٍ على بداية الحمل .
ويجب عليها حينئذ صيام شهرين متتابعين عن كل جنين أجهض بعد نفخ الروح فيه، كما يجب فيه نصف عشر الدية تكون ميراثاً ويحرم منها الفاعل للإجهاض .

أما قبل أربعة أشهرٍ ففيه خلاف بين العلماء ، والجمهور على أنه حرام ولا يجوز إلا لضرورة كالخوف على حياة الأم ، وأما قبل الأربعين يوماً الأولى فالجمهور على أنه لا يحرم .

وقد أجمع الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد الشهر الرابع الرحمي؛ فمن أجهضت نفسها من غير سبب كعذر مقبول كالخوف على حياة الأم؛ فإنه يعد حرامًا باتفاق، ويستوجب نصف عشر الدية قيمة (212.5 حرام من الذهب)  لورثة ذلك الجنين، فيما لو نزل حيًا ويحرم منه المتسبب في الإجهاض، كما أن عليها صيام شهرين متتابعين كفارة عما ارتكبت من حرام، أما إذا كان الجنين قبل الشهور الأربعة فطبقاً لما ورد في الحديث النبوي فإنه لم تنفخ فيه الروح بعد، وإنما حركته وحياته التي نراها بالأشعة التلفزيونية ونحوها وتشعر بها المرأة فإنها حياة نباتية لم تنفخ فيها النفس الإنسانية بعد، وجمهور الفقهاء على حرمة الإجهاض في هذه الحالة أيضاً؛ وعليها ذلك المقدار من الدية أيضاً، وبعضهم كالحنفية والحنابلة يقولون إن الإجهاض في الأربعين اليوم الأولى الرحمية ليس حرامًا ولا دية فيه، وبعض الشافعية يرى أن عدم الحرمة يمتد إلى الشهور الأربعة كلها؛ ولكن الفتوى التي استقر عليها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يرى الحرمة مطلقاً ووجوب نصف عشر الدية على المتسبب في الإجهاض؛ كل ذلك إذا كان من غير سبب يعد عذرًا كما سبق .(انتهى)