يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
معلوم أن الحمام من الطيور التي تسبح في الفضاء ابتغاء رزق اللهِ، حتى ولو وفَّر لها أصحابها الغذاء في البيوت أو في أماكن خاصة، فقد خُلِقِ الطير ليطير لا ليُحبس، ومن المتعارَف عليه في القُرى أن الحَمام الذي يُرَبَّى في البيوت أو الأبْراج ينزل على الأجْران التي تُدْرَس فيها الحُبوب من القمح والشعير وغيرهما، ولا يَكاد بيت من البيوت يخْلو من حمامة تنْزل على جُرن من الأجْران، والكلُّ يأْكل من مال الكل، فمن أكل طيْر غيره من قمْحه أكل طيره هو أيضًا من قمح غيره، وذلك في الغالب، ومن هنا تجب المحافظة على الحمام أن يُمَس بسوء، ويُكْتَفى بطرْده، ولا يجوز اصطياد شيء منه للتملُّك ولا للأكل، فالحمام نفسه لا يَتَحَمَّل نتيجة عمله؛ لأنه غير مكلف، وإنما الذي يتحمَّل النتيجة هو صاحبه، ولكن من الذي يستطيع أن يميز الحمام ليعرف أصحابه حتى يرجع عليهم؟ إن الأمر جدُّ عسير، والتسامح فيه من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورَّط في شيء قد يكون من ورائه ما لا تُحْمَد عُقباه.
وننبِّه أصحاب القمْح المأكول منه إلى أن كل حبَّة أكَلها طير له ثوابها، لقول النبي ـ ﷺ ـ ” ما مِن مسلم يَغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة” رواه مسلم. وطرْد الحمام غير طرْد العصافير التي سَبَق حكمها، فهي غير مملوكة وقد تضر المحصول ضررًا واضحًا، ومنفعة الإنسان مُقدَّمة على منفعة الطير الذي سخَّره الله له.