يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
القضاء ولاية وسلطة مدنية دينية أهم شروطها:
العلم بالكتاب والسنة، والقدرة على الاستنباط، وكون المستنبط الذي ينفذ حكمه وتجب طاعته مسلمًا، والأصل في ذلك قوله تعالى: [ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ] ( النساء : 59 )، وقوله تعالى في الأمر المتنازع فيه: [ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ] ( النساء : 83 )، فقوله ( مِنكُمْ ) و ( مِنْهُمْ ) يعني به المسلمين، وقوله تعالى: [ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ] النساء : 141 ، فهذه الآيات أدلة واضحة في المقصود وقد استدل بالآية الأخيرة صاحب كتاب ( الأحكام السلطانية ) على اشتراط الإسلام في القاضي، ويصح أن يستدل على ذلك أيضًا بمثل قوله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض”، فهذا يشمل جميع أنواع الولاية العامة والخاصة، ومن ثَم كان اشتراط الإسلام في القاضي مجمعًا عليه عند المسلمين.
والأحاديث الواردة في القضاء مبنية على شيء معروف في الإسلام وهو كون القاضي مسلمًا، وقد جرى على ذلك الصحابة ومن بعدهم مِن المسلمين؛ فقد قلدوا الذميين ضروبًا من الأعمال ولكن لم يقلدوهم القضاء وقد قال الماوردي في ( الأحكام السلطانية ) بجواز كون وزير التنفيذ ذميًّا دون وزير التفويض؛ لأن هذا الثاني يحكم ويولي ويجب أن يكون مجتهدًا في الدين.
وإذا نظرنا في المسألة بعين القياس نجد العلة ظاهرة؛ فالقاضي عند المسلمين هو ولي مَن لا ولي له في كثير من الأحكام الدينية فهو يزوج المسلمة إذا غاب الولي أو فُقد أو عضل، وهو يُطَلِّقُ على الزوج ويفسخ العقود الزوجية عندما تقتضي المصلحة ذلك، وأمثال هذه الأحكام خاصة برجال الدين في عرف جميع الأمم، وتقاليد جميع الملل والنِّحَل.