يقول د. مصطفى أحمد الزرقاء – رحمه الله تعالى – :
كان رأيي في هذا الموضوع مخالِفًا للقرار الذي صدر من مجمع الفقه الإسلامي، بشأن أوقات الصلاة في البلاد القريبة من القطب؛ لأن البِلاد التي يتميَّز فيها ليل ونهار قد يكون هذا التميُّز فيها لا يزيد عن نصف ساعة أو ساعة بحيث يكون ليلها ثلاثًا وعشرين ساعة فقط شتاء وعكسه صيفًا.
ونصُّ الحديث المنقول الذي استند إليه القرار مفروض فيه أنه لأهل الجزيرة العربيّة، فالبلاد النائية شمالاً أو جنوبًا لا يوجَد في الحديث دَلالة على رفض اعتبار الفارِق العَظيم فيها بين مسافَتَيِ الليل والنهار، بل الواجب اعتبارها مَسكوتًا عنها، عندئذٍ يجب تقريرُ حكم لها يتناسب مع مقاصِد الشريعة، وهذا التعميم الذي جرى عليه القرار بمُجرّد ظهور تميُّز بين ليل ونهار دون نظر إلى الفارق العظيم في مدّة كل منها، يتنافَى كلَّ التنافي مع مقاصِد الشّريعة، وقاعدة رفع الحرج.
وليس من المعقول توزيعُ صلوات النّهار أو الليل على مُدّة نصف ساعة مثلاً، ولا من المعقول صيام ساعة وإفطار ثلاث وعشرين أو العكس.
وقد كان رأيي في هذه القضية الذي لم يُشِرْ إليه القرار، بل جَرى على الأكثريّة (وقد كان من الواجب أن يُشير إلى المخالفة ودليلها ) ـ كان رأيي أن تُتَّخذَ إحدى قاعدتين لهذه البلاد النائية شمالاً وجنوبًا:
إما أن يعتمدَ لها جميعًا (سواء أكانت مما يتميَّز فيها ليل ونهار أو لا) أوقات مَهْدِ الإسلام الذي جاء فيه، ووردت على أساسه الأحاديث النبوية، وهو الحِجاز، فيؤخَذ أطول ما يصل إليه ليل الحِجاز ونهاره شتاءً، أو صيفًا فيطبَّق على أهل تلك البلاد النائية في الصوم والإفطار وتوزيع الصلوات.
وإما أن نأخذ أقْصى ما وصل وامتدّ إليه سلطان الإسلام في العصور اللاحقة شمالاً وجنوبًا، وطبَّقَه العلماء فيها على ليلهم ونهارهم في فصول السنة، فنعتبره حدًّا أعلى لليل والنهار للبلاد النائية التي يتجاوز فيها الليل والنهار ذلك الحدَّ الأعلى، ففي تجاوز النّهار يُفطرون بعد ذلك، وتوزَّع الصلوات بفواصِلَ تتناسب مع فواصِلِ ذلك الحَدِّ الأعلى.
وخلاف ذلك فيه مُنتهَى الحرج الذي صرح القرآن برفعه، كما هو واضح.
فإن قيل: كيف نسمح لأناس في رمضان أن يُفطروا والشمسُ طالِعة وإن كانت لن تَغيبَ إلا نصف ساعة أو ساعة؟
قلنا: هذا سيلزمكم في البلاد التي ليلُها ستةُ أشهر ونهارها ستةُ أشهر، فإنَّكم وافقتم على أنهم يفطرون في نهارهم الممتدِّ في الوقت الذي حددتموه لهم، على الرغم من أن الشمس طالعة.
فهذا لا يضُرُّ، بسبب الضرورة، والمهم في الموضوع: رعاية مقاصِد الشّريعة في توزيع الصلوات، وفي مدة الصّوم بصورة لا يكون فيها تكليف ما لا يُطاق، ويتحقّق فيها المقصود الشرعي دون انتقاص.
وبيت القَصيد في الموضوع والذي يكون منه المنطلق: هو أن الأحاديث الواردة التي استند إليها القَرار يجب أن يُفْتَرَضَ أنها مبنيّة على الوضع الجغرافيّ والفلكيّ في شبه الجزيرة العربيّة، وليس بجميع الكرة الأرضية التي كان معظمها من بَرٍّ وبَحْرِ مجهولاً، إذ ذاك، لا يُعرَف عنه شيء. بل إن هذه الأماكن القاصِية والمجهولة شمالاً وجنوبًا مما اكتُشِف فيما بعد. يجب أن تُعتبر مَسكوتًا عن حكم أوقات الصلاة والصِّيام فيها، فهي خاضِعة بعد ذلك للاجتهاد بما يتفق مع مقاصِد الشريعة.