ينبغي للمؤمنين الإصلاح فيما بينهم، فإذا تنازع اثنان أو جماعة أصلحوا بينهم؛ لأن المؤمنين إخوة، والصلح من شأن الإخوة، كما قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) [الحجرات:10]، وقال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) [الأنفال:1]، وقال تعالى: ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) [النساء:128]، وقال تعالى: ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) [النساء:114]، فالإصلاح بين الناس فيه مصالح كثيرة، وقطع الشحناء، وقطع الخصومة، والتأليف بين القلوب، والحكم قد يبقي فيها شيئا من الشحناء، ولكن الصلح الذي يكون عن تراض تكون القلوب فيه طيبة، ويسلم الناس من الشحناء التي تحصل بسبب الخصومات والأحكام.

أهمية الإصلاح بين الزوجين:

يقول د. نزار ريان ـ أستاذ الشريعة ـ فلسطين رحمه الله تعالى :

إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء : 35.

هذه الآية تبين أن الإصلاح بين الزوجين أمر واجب لا يجوز تجاوزه فإذا كان الإصلاح بين الناس مطلوبا شرعا فإن الإصلاح بين الزوجين أكثر طلبا.

وفي الحديث الحسن عند الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: “إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة”.

وهو يعني بذات البين العداوة والبغضاء التي تحلق الدين، فإذا كان فساد ذات البين بين الناس بعامة يحلق الدين فكيف بفساد ذات البين بين الزوجين في الأسرة الواحدة؟!!

ولذلك يجب على المسلم أن ينهض للإصلاح بين الناس بعامة وبين الزوجين بخاصة لما في الإصلاح من ألفة ومحبة واتفاق ولأن الله سبحانه وتعالى أمر عباده أن يصلحوا بينهما صلحا، كما في سورة النساء من قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .النساء : 128

وتزداد عظمة هذا الصلح إذا كان في إصلاح الأسرة اللبنة المسلمة الأولى.
وقد روى الإمام البخاري رحمه الله أن النبي خرج يصلح بين بني عمرو بن عوف فقال لأصحابه:” اذهبوا بنا نصلح بينهم “.

فيكفي المصلح شرفا أنه يتأسى بالنبي حين يصلح بين الناس.

والإسلام دائما يعمل على وأد أسباب الشقاق والخلاف في المجتمع الإسلامي ، والأسرة المسلمة هي نواة المجتمع فإذا صلحت صلح المجتمع ، ولذا اهتم الإسلام برأب الصدع الذي ينشأ في هذا البنيان.

هل يجوز الحلف كذبا للإصلاح بين الزوجين:

ذكر النبي أمورا يجوز فيها للمرء أن يكذب، منها الإصلاح بين الناس، قال : “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا” رواه البخاري.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :

” … فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا ؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب ، ومعلوم أن الكذب حرام ، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً ، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك ؛ لما ثبت عن النبي من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي قال : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً . قالت : ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث : الإصلاح بين الناس ، والحرب ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ) رواه مسلم في الصحيح .

فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس : والله إن أصحابك يحبون الصلح ، ويحبون أن تتفق الكلمة ، ويريدون كذا وكذا ، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك ، ومقصده الخير والإصلاح : فلا بأس بذلك للحديث المذكور .

والمقصود : أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم ، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب ، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق ” انتهى .

لهذا كله كان الإصلاح بين الزوجين أمرا عظيما وكذلك الإفساد بينهما أشد إثما وأعظم.

كيف تتم جلسة الصلح بين الزوجين:

إن من أعظم أنواع الصلح، الصلح بين الزوجين المتخاصمين؛ فإن الأسر تقوم على المحبة والألفة، وتدوم بدوامها، فإذا انتهت المحبة والألفة، وحل الشقاق، صار الفراق، ولابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة، والسعي في الإصلاح بين الأزواج، وقد قال الله تعالى عند حصول الشقاق في سورة النساء: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا).

فماذا يفعل الحكمان؟ 

-يقوم كل واحدٍ منهما بالالتقاء بوكيله، أو مندوبه الذي انتدبه، أو طرفه الذي ينوب عنه، فيسمع لموكله ويتعرف على سبب الشقاق والخلاف.

-ثم يجتمع الحكمان، فيعتمدان أموراً، ويتوصلان إلى الطرف المخطئ من الزوجين، لأجل وعظه ونصحه، أو وعظ الطرفين معا إذا كان كلاهما مخطئ، والسعي في تقريب وجهات النظر.

-ولذلك فإن من الحكمة أن يذكِّر الحكمان الزوج بوصية رسول الله بالنساء، وبقوله في الوصية بالزوجة: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

وأن يذكر الحكمان الزوج بأن المرجو منك والمأمول:

-أن تعامل زوجتك بالفضل والإحسان، والمسامحة، والتغاضي، لأن أهلها استودعوها عندك، وائتمنوك عليها، ووثقوا بك من أنك ستسعدها.

-وأن لا تسبب لهم المتاعب بسببها، وأنها أم أولادك، أو أنها ستكون كذلك مستقبلاً، والولد الصالح مما ينتفع به أبوه في الحياة، وبالدعاء له بعد الممات.

-وأن الزوجة كالأسيرة بيد زوجها، وليس من الإسلام، ولا من المروءة، ولا من الشجاعة التي جاء بها الإسلام، أن يسيء المسلم إلى أسيرته، أو أسيره، فكيف إذا كانت الأسيرة الزوجة؟

-وأن الزوج الكريم؛ هو الذي لا يستغل قوته وبطشه، ولا يتعسف باستعمال سلطته على زوجته على نحوٍ يُلحق بها الضرر.

فهذه المعاني إذا قدمها الحكمان إلى الزوج بأسلوبٍ لطيف، وقولٍ لين، فالغالب أنها ستؤثر في نفس الزوج، وسيُقلع عما أدى إلى الشقاق.

وكذلك ينبغي للحكم من أهل الزوجة، أن يكلم الزوجة بمعاني الإسلام، ويذكرها بأحكامه المتعلقة بالزوجة في علاقتها بزوجها.

-أن يذكِّرها بعظيم حق الزوج عليها.

-وأن من حسن معاشرتها له بالمعروف، أن تُسمعه الكلمة الطيبة اللينة.

-وأن تسارع إلى طاعته فيما أوجبه الشرع عليها من طاعته بالمعروف، وفيما يأمرها بها زوجها من المباحات.

-وألا تثقل عليه بطلباتها الكثيرة.

-وأن تتحمل عبوسه وصدوده وإساءته، وأن تقابل ذلك بابتسامتها وإحسانها وخدمتها، فإن الزوج إذا رأى ذلك منها، فسرعان ما يزول عنه العبوس والصدود، ويكف عن الإساءة.

-وعليها ألا تستقصي في طلب الحقوق، وإذا أحست بكراهتها له، فلتطرد هذا الإحساس، ولتذكِّر نفسها بأنه قد يجعل الله لها فيما تكرهه الخير الكثير، فيرزقها الله منه ولداً تقر به عينها، ويزول عن قلبها ما تحسه من كراهة لزوجها.

فتذكير الطرفين بحق كل واحد منهما على الآخر، وبالمعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، مما يجعل أمرهما هينا سهلا، والصلح بينهما وشيكا.