قال الله سبحانه وتعالى : [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]. {الطلاق:2 ، 3}.
وقال ﷺ : ” إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّ نَفْساً لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ، ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ الله، فإنّ الله تعالى لا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الألباني. كما في السلسلة الصحيحة :( 2866)
والحرام لا خير فيه ولا بركة ولا سيما الربا فلم يتوعد الله تبارك وتعالى على ذنب بالحرب إلا عليه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278، 279]
والمستجير بالربا لدفع ضائقة أو تفريج كربة كالمستجير من الرمضاء بالنار.
نعم قد تكون معاملاته سهلة وقد تكون فوائده أقل من أرباح المعاملات المشروعة وقد يزينه الشيطان ويلقي عليه حلاوة وطلاوة، ولكن ما ذا بعد محق البركة والحرب مع الله والمعيشة الضنك ولو كثر ما بيد صاحب الربا قال تعالى: (قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة: 100.
وهكذا نقول هنا قد تكون أرباح البنك الإسلامي التي يطلبها أكثر بالمقارنة مع الفوائد الربوية التي يفرضها البنك الربوي ، لكن هي أرباح محددة لا تزيد ولو طال الزمن وتأخر المدين، وأما الفوائد الربوية فلو تأخر المدين مرة واحدة لظرف عارض فإنها تتضاعف وتتراكم حتى يعجز المرء عن سدادها وما أكثر شكوى الذي وقعوا في حبائل الربا وشراكه فتضاعفت عليهم الفوائد وأثقلت كواهلهم وصودرت أموالهم المرهونة . فلا انتفعوا ولا استراحوا ولا ربحوا، أ بعد هذا يقال إن الفوائد الربوية قليلة.! كلا والله إنها خدعة وتلبيس من إبليس ” [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ] البقرة 268.
ولذا نقول إنه لا خيرة للمؤمن بين الحلال والحرام فالحرام لا يجوز الإقدام عليه إلا عند الضرورة والضرورة تقدر بقدرها ولابد من سؤال أهل العلم عنها قبل الدخول فيها.
وأما الدخول مع بنك آخر في معاملة مرابحة فلا حرج في ذلك إذا انضبطت المعاملة بالضوابط الشرعية ومنها :
أولا : أن يتملك البنك البيت قبل عقد بيع المرابحة مع العميل تملكا حقيقيا ، لقول النّبيّ صَلَى اللّه عليه وسَلّم: لا تبع ما ليس عندك. ولنهيه ﷺ عن ربح ما لم يضمن. والحديثان صححهما الألباني في صحاح السنن.
ثانيا: عدم وجود شرط جزائي عند تأخر العميل في سداد أقساط المرابحة، وإن كان بعض المتأخرين يرى جواز ذلك.
وقد بحث الشيخ القره داغي هذه المسألة ومما خلص إليه فيها قوله: (اختلف المعاصرون في جواز هذا الاشتراط في العقد ، فذهب جماعة منهم (ومعهم هيئات الرقابة الشرعية) إلى منع ذلك بناءً على أن هذا اشتراط ربوي بدفع زيادة بسبب التأخير، وهذا الاشتراط في العقد باطل يجعل العقد باطلاً أو فاسداً، وحتى لو لم يجعله باطلاً أو فاسداً فإن هذا الاشتراط الربوي محرم، وهذا ما عليه جمهور العلماء السابقين، (وهو مقتضى قول الحنفية والشافعية في قول والمشهور الصحيح عند المالكية)، كما أنه من الناحية العملية فإن المدين في الأخير يدفع زيادة مشروطة في العقد بسبب التأخير ولا يؤثر في ذلك كونها تصرف في وجوه الخير أم لا، فالمهم قد حمّل المدين بأعباء إضافية مع أن الإسلام يدعو إلى تخفيف كاهله.
وذهب آخرون إلى جواز ذلك… إضافة إلى وجود أقوال لبعض المذاهب المعتبرة تجيز مثل ذلك، حيث نقل الحطاب جواز ذلك عن بعض علماء المالكية (منهم أبوعبدالله بن نافع ت 186هـ ومحمد بن إبراهيم بن دينار ت 182هـ ) فقال: إذا التزم أنه إذا لم يوفه حقه في وقت كذا، فعليه كذا وكذا لفلان أو صدقة للمساكين فهذا محل الخلاف المعقود له هذا الباب، فالمشهور أنه لا يقضي به… وقال ابن دينار: يقضى به.”ثم نقل عن ابن نافع قريباً من ذلك… ولا يمكن قياس اشتراط الزيادة في الديون والقروض على الاشتراط في البيع، فمبنى البيع على التوسع في الشروط، في حين أن مبنى الديون والسلف على التضييق في الشروط خوفاً من الربا.) انتهى باختصار وتصرف يسير من موقع الشيخ حفظه الله.
ثالثا: أن تكون الضمانات التي يطلبها البنك مشروعة فلا يشترط تأمينا تجاريا محرما مثلا وهكذا جاء في المعايير الشرعية ما نصه: (ينبغي أن تطلب المؤسسة من العميل ضمانات مشروعة في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء، ومن ذلك: حصول المؤسسة على كفالة طرف ثالث، أو رهن الوديعة الاستثمارية للعميل، أو رهن أي مال منقول، أو عقار، أو رهن السلعة محل العقد رهنًا ائتمانيًّا رسميًّا دون حيازة، أو مع الحيازة للسلعة، وفكّ الرهن تدريجيًّا حسب نسبة السداد). اهـ.
ولا بد من التنبيه أيضا على أنه شتان بين معاملة بيع مشروع وقرض ربوي ممنوع فمعاملة المرابحة المشروعة بيع جائز والقرض بفائدة ربا محرم وقد قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة 275.