القرآن الكريم دستور المسلمين في حياتهم، فبه يحكمون، وإليه يحتكمون، وعلى نهجه يسيرون، وبأمره يعلمون، وعن نهيه ينتهون، لقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يأخذون عشر آيات من رسول الله لايزيدون عليها،يعملون بها، ويحفظونها في قلوبهم قبل صدروهم،ثم يأخذون غيرها، بعد العمل بها، ومن هنا علموا تأثير القرآن.

إن بركة القرآن ليست في وضعه في السيارة أو في البيت، ولكن بركة القرآن بتلاوته حق التلاوة، والعلم بأمره ونهيه، وتطبيق ذلك، إذا فعلنا هذا رزقنا بركة القرآن، وإن ابتغينا غير هذه الطريق، فلن ننال بركة القرآن ولو وضعنا آلاف النسخ من المصحف في بيوتنا وسياراتنا ومكاتبنا ومطاعمنا، أما عن وضعه في مثل هذه الأماكن ليكون قريبًا منا لنتلوه، أو من باب التذكرة فلا مانع ،على ألا يكون الغرض من الوضع التبرك فقط،فليست بركة القرآن في هذا.

لماذا أنزل القرآن:

يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق-رحمه الله تعالى-:

أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ كتابه المجيد ليكون نورًا مبينًا يهدي الناس سواء السبيل. يقول الحق ـ جل جلاله ـ في سورة الإسراء: (إنَّ هذا القرآنَ يهدي للتي هيَ أقومُ ويُبَشِّرُ المؤمنين الذينَ يعملونَ الصالحاتِ أنَّ لهمْ أجرًا كبيرًا)0 (الإسراء: 9). ويقول في فاتحة سورة الكهف: (الحمدُ للهِ الذي أنزلَ على عبدهِ الكتابَ ولم يجعلْ له عِوَجًا. قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بأْسًا شديدًا مِنْ لَدُنْهُ، ويُبَشِّرَ المُؤمنين الذينَ يَعملونَ الصالحاتِ أنَّ لهمْ أجْرًا حَسَنًا. مَاكِثِينَ فيهِ أبَدًا)0 (الكهف: 1 ـ 3).

يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-:

المقصود من إنزال كتاب الله: أن يعلم الناس أحكام دينهم، وما شرع الله لهم، ويعرفهم بربهم سبحانه، وصفاته، وأسمائه، وبحقه على عباده -جل وعلا- ويقص عليهم أخبار الرسل، وأخبار الأمم، وماذا جرى عليهم، وماذا حصل لمن استقام على دين الله من النصر، وماذا حصل من العقوبات لمن كفر بالله وعصاه، ويبين لهم الأحكام التي هم مأمورون بالأخذ بها، والامتثال لها، ويبين لهم الأشياء التي هم منهيون عنها، فهو كتاب هداية، كتاب تشريع، كتاب بيَّن الله فيه -جل وعلا- مراده من عباده، وبيَّن فيه صفاته وأسماءه، وبيَّن فيه حكمته في خلق الجن والإنس، وفي إرسال الرسل… 

هل أنزل القرآن للأحجية والتمائم:

يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق-رحمه الله تعالى-:

لم يكن الغرض من إنزال القرآن الكريم أن يقتصر الناس في أمره على اتخاذه أحجبة وتمائم، دون عملٍ بما فيه، ودون التزام لأوامره، أو انتهاء عن نواهيه. وليست رسالة القرآن الأساسية أن يقتصر الناس على اتخاذه لوحات تُعلَّق في المنازل والمكاتب، أو تمائم تعلق في الرقاب وعلى الصدور، أو تعويذة توضع من تحت الوسادة لطرد الشيطان، أو تحقيق الاطمئنان، أو توضع في السيارة لحفظها وصيانتها من الحوادث.

ولكن رسالة القرآن الأساسية هي أن يكون عقيدة وشريعة، وأن يكون قائدًا للحياة ورائدًا للأحياء، وأن يكون دستورًا يهتدي به كل مؤمن في مجالات الحياة ليستقيم على الصراط القويم، وهذا هو بعض ما نفهمه من قول الله ـ سبحانه ـ في سورة الإسراء: (ونُنَزِّلُ مِنَ القرآنِ ما هُوَ شِفَاءٌ ورَحْمَةٌ للمُؤْمِنِينَ). (الآية: 82).

وهذا لا يتعارض مع ما ورد في كتب السنة الصحيحة من مشروعية “الرُّقْيَةِ” بتلاوة القرآن وقد فسر ذلك بعض العلماء بأنه لون من ألوان الدعاء الذي يستجيبه الله بفضله حينما يتوافر فيه إخلاص التوجه إلى الله عز وجل.

على أنه لا مانع من أن يحمل الإنسان المصحف أو جزءًا منه، أو يُعلق شيئًا من القرآن الكريم أمامه، أو يضعه على المكتب أو في السيارة، إذا كان المراد من ذلك هو أن يتذكر المسلم آيات القرآن أو يتلو فيها، أو يستحضر معانيها بمقتضاها، فيكون ذلك بابًا لرِضَى الله ورضوانه.

ومما ينبغي ذكره في هذا المجال أن القرآن الكريم تلزم صيانته وحفظه عن مواطن الإهانة والتحقير والنجاسة، فلا يجوز تعريضه لمَا لا يليق بحرمته ومكانته.