الذي يدل عليه ظاهر مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية أن البخار في عصرنا وسيلة من وسائل التطهير؛ وذلك لأنه رجح أن الطهارة متى أزيلت بأي مزيل فقد زالت ، ولكن جمهور الفقهاء يشترطون استعمال الماء لإزالة الطهارة .
ما هي وسائل التطهير وإزالة النجاسة؟
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :- اتفق الفقهاء على جواز إزالة النجاسة بالماء، فهو الأصل في التطهير.
واختلفوا في إزالتها بغير الماء. ومنع من ذلك الإمام الشافعي، ومن المعلوم أن مذهبه رضي الله عنه هو أشد المذاهب في أمور الطهارة والنجاسة، حتى قال الإمام الغزالي في (كتاب الطهارة) من (الإحياء): كنت أود أن يكون مذهبه في المياه كمذهب مالك.
وأيد مذهب مالك بسبعة أوجه من الأدلة.
وقال الحنفية ـ عدا محمد وزفر ـ يجوز إزالة النجاسة بالماء، وبكل مائع طاهر ينعصر بالعصر، كالخل وماء الورد، وما يعتصر من الشجر والورق. لقوله تعالى: (وثيابك فطر) المدثر: 4 وتطهير الثوب: إزالة النجاسة عنه، وقد وجد في الخل حقيقة.
والإزالة تتحقق بما ذكرنا، لاستوائهما في الموجب للزوال، من ترقيق النجاسة، واختلاطها بالمائع بالدلك، وتقاطرها بالعصر شيئا فشيئا، إلى أن تفنى بالكلية. وذكر الماء في بعض الأحاديث مثل ” ثم اغسليه بالماء ” ورد على ما هو المعتاد غالبا، لا للتقيد به، لما ذكرنا.
وقياس النجاسة الحقيقية (الحسية) على الحكمية (التي تزال بالوضوء والغسل) لا يستقيم، لأنها عبادة يعقل معناها، ألا ترى أنه يجب غسل موضع غير النجاسة؟
حكم إزالة النجاسة بغير الماء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما إزالة النجاسة بغير الماء، ففيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد:
أحدها: المنع، كقول الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد.
والثاني: الجواز، كقول أبي حنيفة، وهو القول الثاني في مذهب مالك، وأحمد.
والقول الثالث: في مذهب أحمد أن ذلك يجوز للحاجة، كما في طهارة فم الهرة بريقها، وطهارة أفواه الصبيان بأرياقهم، ونحو ذلك.
-والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء (في دم الحيض): ” حِتِّيه، ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ” وقوله في آنية المجوس: ” ارخصوها ثم اغسلوها بالماء “.
-وقوله في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد: ” صبوا على بوله ذَنُوبا من ماء ” فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة، ولم يأمر أمرا عاما بأن تزال كل نجاسة بالماء. وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع: (منها) الاستجمار، (أي الاستنجاء) بالحجارة. و(منها) قوله في النعلين: ” ثم ليدلكهما بالتراب، فإن التراب لهما طهور ” و(منها) قوله في الذيل: ” يطهره ما بعده”، و(منها) أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله ﷺ. ثم لم يكونوا يغسلون ذلك.
-و(منها) قوله في الهر: ” إنها من الطوافين عليكم والطوافات ” مع أن الهر في العادة يأكل الفأر، ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء، بل طهورها ريقها. و(منها) أن الخمر المنقلبة بنفسها تطهر باتفاق المسلمين.
-وإذا كان كذلك فالراجح في هذه المسألة: أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها، فإن الحكم إذا ثبت بالعلة زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة، لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها.