القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر. وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجرة فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ،ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك لا للقارئ ولا لذوي الميت ولا للميت.
الأعمال التي ينتفع بها الميت:
وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: “والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان” سورة الحشر آية (10).
وما ثبت عن الرسول ﷺ من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: صلى النبي ﷺ على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله..) الحديث رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تدفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال : نعم) رواه مسلم.
ومعنى افتلتت نفسها أي ماتت فجأة، كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال : نعم (رواه مسلم) وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول ﷺ قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه). رواه البخاري ومسلم.
هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل إليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية.
هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت:
وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل إلى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم.
وهو الذي أختاره وأقول به؛ لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن.
قال ابن قدامة رحمه الله:-
(وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله).
ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت بعمل الحي، وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت فكذلك ما سواها) .
هل أهدى الصحابة ثواب قراءة القرآن للميت:
فالجواب أن مورد هذا السؤال إن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال، وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات وأن من لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع.
وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو أنهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ،ولا كانوا يعرفون ذلك ألبتة، ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم.
ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدون على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم.
فإن قيل إن رسول الله ﷺ أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل هو ﷺ لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ،ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر..) .
هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت لمن قرأ بأجرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:- (وأما الاستئجار لنفس القراءة _أي قراءة القرآن_ والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى ،وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه .