إذا تقدم أكثر من خاطب للمرأة، ولم تتم الموافقة على أحد منهم، بل أمهلت المرأة أو وليها الخاطب وقتا للاختيار فللفتاة أن تختار من تشاء منهم، ولا يشترط أن تختار أول خاطب ولج الباب .
أما إذا تمت الخطبة، وأعطت المرأة أو وليها وعدا لمن تقدم، فإنه يحرم الموافقة على أحد غيره، ويحرم ابتداء لمن يعلم أنها مخطوبة أن يتقدم إليها، إلا إذا فسخت الخطبة الأولى سواء أكان الفسخ من جهة الخاطب أو المخطوبة .
وإذا أفسد أحد المخطوبة على خاطبها الأول فإنه يأثم هو ومن يجيبه، فإن فعل وتزوج، فإن النكاح صحيح، مع إثم الزوج ومن وافقه من المرأة والأولياء .
يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق-رحمه الله تعالى- رئيس لجنة تحقيق التراث الإسلامي بالكويت: –
يجوز إذا تقدم رجل لخطبة امرأة أن يتقدم ثان وثالث وأكثر من ذلك ما لم توافق على واحد منهم. فإن وافقت المرأة وأولياؤها على واحد من الخطاب فلا يجوز لأحد التقدم إلى الخطبة بعد ذلك ؛ لأن هذا منهي عنه نهياً شديداً ، وهو من أسباب نشر العداوة والبغضاء في المجتمع المسلم .
قال ﷺ: [لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك] رواه البخاري وفي رواية أخرى قال: [لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخطاب قبله أو يأذن له الخاطب] رواه أحمد والنسائي .
وأما لو وقع هذا فما الحكم؟
قال بعض الفقهاء يفسح نكاحها من الثاني (الذي خطب الرجل على خطبة أخيه) وترد إلى الأول. وجعلوا هذا من مبطلات عقد النكاح، وجعل البعض هذا غير مبطل للعقد ولكنه معاقب عليه شرعاً ، فعند هؤلاء لا يبطل العقد إن وقع وإن كان فاعل هذا يستحق التعزير والمجازاة .
ونرى أن الخطبة عقد جائز ولم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على ترتب حقوق معينة بالفسخ فإذا وقعت الخطبة على الخطبة فلا نرى بطلان زواج الثاني وإن كنا نرى أنه ظالم وأنه يجب عليه الرجوع عن خطبته، وأنه مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة ، وكذلك من وافقه من المرأة والأولياء . انتهى .
وقال ابن قدامة في المغني :-
لا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تسكن إلى الخاطب لها ، فتجيبه ، أو تأذن لوليها في إجابته أو تزويجه ، فهذه يحرم على غير خاطبها خطبتها ; لما روى ابن عمر ، أن النبي ﷺ قال { : لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } . وعن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ، حتى ينكح أو يترك } . متفق عليهما . ولأن في ذلك إفسادا على الخاطب الأول ، وإيقاع العداوة بين الناس ، ولذلك نهى النبي ﷺ عن بيع الرجل على بيع أخيه . ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم ، إلا أن قوما حملوا النهي على الكراهة ، والظاهر أولى .
القسم الثاني: أن ترده أو لا تركن إليه . فهذه يجوز خطبتها ، لما روت فاطمة بنت قيس ، ( أنها أتت النبي ﷺ فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها ، فقال رسول الله ﷺ : أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم ، فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة بن زيد ) . متفق عليه . فخطبها النبي ﷺ لأسامة بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها ، ولأن تحريم خطبتها على هذا الوجه إضرار بها ، فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته إياها .
وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة ، فقال : لا تفوتيني بنفسك . وأشباه هذا ، لم تحرم خطبتها ; لأن في قصة فاطمة أن النبي ﷺ قال لها ( لا تفوتينا بنفسك . ولم ينكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها ) .
وذكر ابن عبد البر ، أن ابن وهب روى بإسناده عن الحارث بن سعد بن أبي ذباب ، أن عمر بن الخطاب خطب امرأة على جرير بن عبد الله ، وعلى مروان بن الحكم ، وعلى عبد الله بن عمر ، فدخل على المرأة وهي جالسة في بيتها ، فقال عمر : إن جرير بن عبد الله يخطب ، وهو سيد أهل المشرق ، ومروان يخطب ، وهو سيد شباب قريش ، وعبد الله بن عمر يخطب ، وهو من قد علمتم ، وعمر بن الخطاب ، فكشفت المرأة الستر ، فقالت : أجاد أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم . فقالت: فقد أنكحت أمير المؤمنين ، فأنكحوه . فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد ، قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول .
القسم الثالث: أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى والسكون ، تعريضا لا تصريحا ، كقولها: ما أنت إلا رضى ، وما عنك رغبة . فهذه في حكم القسم الأول ، لا يحل لغيره خطبتها . هذا ظاهر كلام الخرقي ، وظاهر كلام أحمد ; فإنه قال : إذا ركن بعضهم إلى بعض ، فلا يحل لأحد أن يخطب . والركون يستدل عليه بالتعريض تارة ، وبالتصريح أخرى. وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد إباحة خطبتها . وهو مذهب الشافعي في الجديد .