ما يذكر من وجود حديث طويل يتضمن صلاة أربع ركعات لتقوية الحفظ فهذا غير ثابت عن رسول الله ، وقد أكد غير واحد من علماء الحديث أن هذا الحديث مكذوب لا تصح نسبته إلى رسول الله ، ولا يجوز العمل به، ولا اعتقاد صحته.

يقول الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
روى الترمذي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : بينما نحن عند رسول الله إذ جاءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بأبي أنت تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه فقال له رسول الله “يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك ؟ قال : أجل يا رسول الله فعلمني . قال إذا كان ليلة الجمعة ، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب فقد قال أخي يعقوب لبنيه : سوف أستغفر لكم ربي” .

يقول حتى تأتي ليلة الجمعة فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات : تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة يس ،وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان ،وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل ( السجدة )، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل ،فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله، وأحسن الثناء على الله، وصل علي وأحسن ،وعلى سائر النبيين ،واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان ثم قل في آخر ذلك : اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني. اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام: أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني ،وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.

اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري ،وأن تطلق به لساني وتشرح به صدري، وأن تستعمل به بدني فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتينيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمساً أو سبعاً تجاب بإذن الله ،والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمناً قط . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فوالله ما لبث علي إلا خمساً أو سبعاً حتى جاء رسول الله في ذلك المجلس فقال : يا رسول الله إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية ونحوها فإذا قرأتهن على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رددته تفلت ،وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفاً فقال رسول الله عند ذلك : مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن” .

قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم . سنن الترمذي مع شرحه التحفة .

وقد اختلف أهل الحديث في الحكم على هذا الحديث فحسنه الترمذي إلا أن الشيخ الألباني ذكر أن الحافظ ابن عساكر قد نقل حكم الترمذي على الحديث دون لفظة حسن، وكذلك الحافظ الضياء المقدسي: ثم قال الألباني :-
[ وهو الأقرب إلى الصواب ،واللائق بهذا الإسناد ؛فإن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية فهو علة الحديث ،وإن خفيت على كثير كالحاكم وغيره فإنه قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بقوله : هذا حديث شاذ أخاف أن لا يكون كذا ،ولعل الصواب أن يكون موضوعاً، وقد حيرني والله جودة سنده ] .

-وقال المنذري عن هذا الحديث :- [ طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ،ومتنه غريب جداً ]. وقد عده ابن الجوزي في الموضوعات وذكره الشوكاني في كتابه في الأحاديث الموضوعة.

-وذكر الذهبي الحديث في سير أعلام النبلاء في ترجمة الوليد بن مسلم وساقه بطوله ثم قال : [ هذا عندي موضوع ] سير أعلام النبلاء.
-وقال الذهبي أيضاً معلقاً على تصحيح الحاكم للحديث :[ هذا حديث منكر شاذ ،وقد حيرني والله جودة إسناده ] وقال الذهبي أيضاً في الميزان بأنه حديث منكر جداً .

وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث بأنه منكر، وتكلم عليه كلاماً طويلاً ثم قال :
[ وجملة القول أن هذا الحديث موضوع كما قال الذهبي في الميزان، وقال أيضا:ً وهو من أنكر ما أتى به الوليد بن مسلم، وابن الجوزي ما أبعد عن الصواب حين أورده في الموضوعات ،ومن تعقبه فلم يأت بشيء يستحق النظر فيه ] .إذا تقرر هذا فإن الصحيح من أقوال العلماء أنه لا يجوز إثبات صلاة بناء على هذا الخبر الموضوع أو الضعيف جداً وخاصة أنه يثبت صلاة غريبة، والأصل في العبادات التلقي عن النبي بطريق ثابت صحيح ،ولا يجوز شرعاً تخصيص وقت معين بعبادة معينة وبكيفية معينة بدون دليل شرعي صحيح وكذلك فإن في الحديث تخصيص ليلة الجمعة بعبادة خاصة وهذا يعارض ما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال :( لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) رواه مسلم .
-قال الإمام النووي :[ وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي ويومها بصوم كما تقدم وهذا متفق على كراهيته ] .

-ولا يصح العمل بهذا الحديث الموضوع على أساس أنه وارد في فضائل الأعمال ؛لأن الحديث الموضوع لا يعمل به في فضائل الأعمال ولا غيرها، ولا يجوز أن ينسب إلى النبي .

وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور لا يصح الاعتماد عليه لأنه موضوع أي مكذوب، وصلاة الحفظ التي وردت فيه صلاة مبتدعة غير مشروعة .انتهى كلام الدكتور حسام الدين.

يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -: المؤمن في مثل هذه المسائل يسأل ربه التوفيق والإعانة في حفظ القرآن، ويجتهد في الإكثار من تلاوة القرآن، وفي الأوقات المناسبة حتى يحفظه؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: “تعاهدوا هذا القرآن”؛ فإنه لأشد تفصيًا من الإبل في عقلها فالسنة له أن يتعاهده بكثرة القراءة.

أما تعيين صلاة معينة من أجل ذلك فليس فيه حديث صحيح، ولكن المؤمن يتحرى الأوقات المناسبة، ويجتهد في تلاوة القرآن، والإكثار من تلاوته، وتعاهده حتى يحفظه، هذا هو السنة.