عقيدة أهل السنة والجماعة أن كل المسلمين سيدخلون الجنة،ومن كان منهم مذنبا ذنبا لم يتب منه فقد يدخل النار أولا، وقد يشفع له أحد الشافعين فلا يدخل النار أصلا ، نسأل الله أن يدخلنا الجنة دون سابقة عذاب ولا مناقشة حساب.

قال الإمام النووي ، وهو بصدد شرح حديث عثمان رضى الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات وهو يعلم أن لا اله الا الله دخل الجنة

قال الإمام النووي :

وأما معنى الحديث وما أشبهه فقد جمع فيه القاضي عياض رحمه الله كلاما حسنا جمع فيه نفائس فنحن ننقل كلامه مختصرا ثم نضم بعده إليه ما يحضرنا من زيادة.

قال القاضي عياض- رحمه الله-:

اختلف الناس فيمن عصى الله تعالى من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الايمان، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد فى النار اذا كانت معصيته كبيرة ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر ولكن يوصف بأنه  فاسق.

وقالت الاشعرية: بل هو مؤمن وان لم يغفر له وعذب فلا بد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة ،قال: وهذا الحديث حجة على الخوارج والمعتزلة.

وأما المرجئة فان احتجت بظاهره قلنا :محمله على أنه غفر له، أو أخرج من النار بالشفاعة ثم أدخل الجنة فيكون معنى قوله صلى الله عليه و سلم دخل الجنة أى دخلها بعد مجازاته بالعذاب وهذا لا بد من تأويله لما جاء فى ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة.

وفى قوله صلى الله عليه و سلم -وهو يعلم- إشارة إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة : إن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وان لم يعتقد ذلك بقلبه، وقد قيد ذلك فى حديث آخر بقوله صلى الله عليه و سلم غير شاك فيهما وهذا يؤكد ما قلناه.

قال القاضي وقد يحتج به أيضا من يرى أن مجرد معرفة القلب نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم، ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين لا تنفع إحداهما ولا تنجى من النار دون الأخرى الا لمن لم يقدر على الشهادتين لآفة بلسانه أو لم تمهله المدة ليقولها بل اخترمته المنية ،ولا حجة لمخالف الجماعة بهذا اللفظ اذ قد ورد مفسرا فى الحديث الآخر من قال لا اله الا الله ،ومن شهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الل.

وقد جاء هذا الحديث وأمثاله كثيرة فى ألفاظها اختلاف ولمعانيها عند أهل التحقيق ائتلاف فجاء هذا اللفظ فى هذا الحديث ،وفى رواية معاذ عنه صلى الله عليه و سلم من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة، وفى رواية عنه صلى الله عليه و سلم من لقى الله لايشرك به شيئا دخل الجنة، وعنه صلى الله عليه و سلم ما من عبد يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله الا حرمه الله على النار، ونحوه فى حديث عبادة بن الصامت وعتبان بن مالك ،وزاد فى حديث عبادة على ما كان من عمل، وفى حديث أبى هريرة لا يلقى الله تعالى بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنة وان زنى وان سرق ،وفى حديث أنس حرم الله على النار من قال لا اله الا الله يبتغى بذلك وجه الله تعالى.

وهذه الأحاديث كلها سردها مسلم رحمه الله فى كتابه فحكى عن جماعة من السلف رحمهم الله منهم بن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهى وقال بعضهم هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها وهذا قول الحسن البصرى وقيل ان ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك وهذا قول البخارى وهذه التأويلات انما هي اذا حملت الاحاديث على ظاهرها وأما اذا نزلت منازلها فلا يشكل تأويلها على ما بينه المحققون.

فنقرر أولا أن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الاشعريين أن أهل الذنوب فى مشيئة الله تعالى وأن كل من مات على الايمان وتشهد مخلصا من قلبه بالشهادتين فانه يدخل الجنة فان كان تائبا أو سليما من المعاصى دخل الجنة برحمة ربه وحرم على النار بالجملة فان حملنا اللفظين الواردين على هذا فيمن هذه صفته كان بينا وهذا معنى تأويلى الحسن والبخارى وان كان هذا من المخلطين بتضييع ما أوجب الله تعالى عليه أو بفعل ما حرم عليه فهو فى المشيئة لا يقطع فى أمره بتحريمه على النار ولا باستحقاقه الجنة لاول وهلة بل يقطع بأنه لابد من دخوله الجنة آخرا وحاله قبل ذلك فى خطر المشيئة ان شاء الله تعالى عذبه بذنبه وان شاء عفا عنه بفضله.

ويمكن أن تستقل الاحاديث بنفسها ويجمع بينها فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدمناه من اجماع أهل السنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد أما معجلا معافى وأما مؤخرا بعد عقابه والمراد بتحريم النار تحريم الخلود خلافا للخوارج والمعتزلة فى المسئلتين ويجوز فى حديث من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة أن يكون خصوصا لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وان كان قبل مخلطا فيكون سببا لرحمة الله تعالى اياه ونجاته رأسا من النار وتحريمه عليها بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين.

وكذلك ما ورد فى حديث عبادة من مثل هذا ودخوله من أى أبواب الجنة شاء يكون خصوصا لمن قال ما ذكره النبى صلى الله عليه و سلم وقرن بالشهادتين حقيقة الايمان والتوحيد الذى ورد فى حديثه فيكون له من الاجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لاول وهلة ان شاء الله تعالى والله أعلم هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله وهو في نهاية الحسن وأما ما حكاه عن بن المسيب وغيره فضعيف باطل وذلك لان راوى أحد هذه الاحاديث أبو هريرة رضى الله عنه وهو متأخر الاسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق وكانت أحكام الشريعة مستقرة وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة وكانت الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الاحكام قد تقرر فرضها وكذا الحج على قول من قال فرض سنة خمس أو ست وهما أرجح من قول من قال سنة تسع والله أعلم.

وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى تأويلا آخر فى الظواهر الواردة بدخول الجنة بمجرد الشهادة فقال يجوز أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ من تقصيره فى الحفظ والضبط لا من رسول الله صلى الله عليه و سلم بدلالة مجيئه تاما فى رواية غيره وقد تقدم نحو هذا التأويل قال ويجوز أن يكون اختصارا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما خاطب به الكفار عبدة الاوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الاسلام ومستلزما له والكافر اذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثنى والثنوى فقال لا اله الا الله وحاله الحال التى حكيناها حكم باسلامه ولا نقول والحالة هذه ما قاله بعض أصحابنا من أن من قال لا اله الا الله يحكم باسلامه ثم يجبر على قبول سائر الاحكام فان حاصله راجع إلى أنه يجبر حينئذ على اتمام الاسلام ويجعل حكمه حكم المرتد ان لم يفعل من غير أن يحكم باسلامه بذلك فى نفس الأمر وفى أحكام الآخرة ومن وصفناه مسلم فى نفس الأمر وفى أحكام الآخرة .