الجزية شكل تاريخي قديم ، أقره الإسلام ، لأنه دليل على مواطنة غير المسلمين في المجتمع ، ولما يتمتعون به من حماية الدولة لهم، لأنهم لم يكونوا يشاركون في الجيش، أما عند مشاركتهم في الجيش فتسقط عنهم ، وإن كانت الدولة تفرض على مواطنيها بعض أنواع الضرائب، فإن الجزية تمثل شكلا من أشكال الضرائب ، انطلاقا من مفهوم المواطنة على بعض فئات المواطنين في الدولة.
هل عقد الذمة موجود في العصر الحالي؟
يقول الدكتور محمد الزحيلي مدرس بكلية الشريعة بدمشق:
كان نظام دفع الجزية شائعا ومعروفا في التاريخ القديم قبل الإسلام ، وبعد ظهوره ، وكانت الجزية مقررة في مختلف الأمم كبني إسرائيل واليونان والرومان والفرس، وجاء الإسلام فأقر ذلك وطبقه بعد تهذيبه .
ويقترن عقد الذمة في الغالب بدفع الجزية من البالغ العاقل الذكر الحر المتمتع بالصحة والمقدرة المالية ، والسليم من العاهات المزمنة ، ويدفعها عن نفسه ، ثم يلحق به نساؤه وأولاده دون أن يدفعوا شيئا.
والجزية مبلغ ضئيل من المال يدفعه الذمي كل سنة للدولة في مقابل حمايته والدفاع عنه ، وفي مقابل اشتراكه في المصالح العامة ، والاستفادة من الخيرات والمرافق ، وهي رمز الولاء للدولة والتزام الأحكام المطبقة فيها ، و يقابلها ما يتحمله المسلم من أعباء مالية كثيرة كالزكاة والكفارات ، والقيام بواجب الجهاد والدفاع ، فالجزية رمز للطاعة من جهة ، ومظهر للعدالة الاجتماعية تجاه المواطنين من جهة أخرى .
أما في عصرنا الحاضر، فلم يبق عقد الذمة موجودا بصورته القديمة ، واختلفت الأسس والأنظمة التي تنظم علاقات الدول مع بعضها ، وعلاقات الدولة مع المواطنين القاطنين في أرضها بمختلف فئاتهم .
ما هو مصير عقد الذمة في عصرنا؟
يقول الدكتور محمد الزحيلي: إذا أردنا أن نطبق عقد الذمة في عصرنا الحاضر فلابد من التفريق في أحكامه بين حالتين :
الحالة الأولى : في تطبيقه في القانون الدولي وإنهاء القتال مع الدول الأخرى أثناء الحرب وبعد انتهائها ، ففي هذه الحالة لم يبق مجال لتطبيق عقد الذمة ودفع الجزية ، لعدم تعارف الدول عليه في الوقت الحاضر ، وزوال استعماله في التعامل الدولي ، والالتزام بمبدأ المعاملة بالمثل.
وفي هذه الحالة يتطور عقد الذمة بما يتناسب مع الأنظمة العالمية من دون دفع الجزية، وهذا جائز شرعا ، فيجوز لولي الأمر أن يعقد اتفاقات ومعاهدات وعقودا تحقق المصالح العامة للمسلمين ، ومركزهم المناسب في المجتمع الدولي ، بما لا يتناقض مع أحكام الإسلام .
الحالة الثانية : في تطبيق عقد الذمة ودفع الجزية في الأنظمة والقوانين الداخلية على المواطنين القاطنين في أرض الدولة ، وهنا لا نجد غضاضة من تطبيقه مع الاختلاف في الألفاظ والمصطلحات ، لأن عقد الذمة تنظيم داخلي لفئة من المواطنين ، ويتضمن دفع ضريبة معينة على فئة من الناس ، ويقابلها التزامات أخرى على بقية الفئات ، وهذا لا غبار عليه.
والدول الحديثة تفرض ضرائب معينة على فئات دون أخرى ، كما أن السلطات العليا تنظم أحكام الجنسية والتجنس ، وتشرع الأنظمة التي تناسبها ، وتحقق مصالحها ، وتفرض القيود التي تراها، وهذا ما يطبق على غير المسلمين المقيمين في دار الإسلام ، ويتمتعون بجنسية الدولة الإسلامية ، وربما أن غير المسلمين القاطنين الآن في البلاد الإسلامية يشاركون في الخدمة العسكرية ، فإنهم يعفون من دفع الجزية .
ويمكن أن يكلف المسلم بدفع الزكاة ، ويكلف غير المسلم بضريبة مناسبة ، للمساهمة في نفقات الدولة .