لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام القدوة في كل شيء، وكان المربي الأكمل والأب الأكمل، وكان يعطي كل ذي حق حقه، وقد بين قولا وعملا أنَّ للأهل والعيال على الإنسان حقا، كما للنفس حق، ولله حق، وللضيف حق “فأعط كل ذي حق حقه”.
وقد بيَّن النبي ـ ﷺ ـ ضرورة مداعبة الأبناء والترويح عنهم، والصبر على مزاحهم؛ حيث كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يعلوان ظهر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو في الصلاة، وقد دخل أحدهما المسجد وهو على المنبر، فنزل عن المنبر وحمله.. هذا في جانب.
وبيّن النبي عليه الصلاة والسلام أن من الرحمة تقبيل الأطفال، وبيّن النبي ـ ﷺ ـ أهمية نصيحة الطفل، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، حتى وهو في سن مبكرة..
ومن ذلك أيضا هديه وأمره عليه الصلاة والسلام: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها (ضرب تأديب وتربية، لا ضرب عقاب) وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع…”
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعاهد فيها الصغار كما يتعاهد الكبار من أصحابه رضي الله عنهم.
من أساليب النبي في تربية الأطفال:
1 -تحين الوقت المناسب للتوجيه والتعليم، وتلقين الأفكار.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: “يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ”(رواه الترمذي).
2 – تصحيح السلوك الخاطئ، وبناء السلوك الصحيح.
كما في تعليمه ﷺ الطفل آداب الطعام: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”(متفق عليه).
وَأَيْضًا فِي وَقْتِ مَرَضِ الطِّفْلِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: “أَسْلِمْ”، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ”(رواه البخاري).
3 -العدل بين الأطفال، وهو أسلوب مهم جدا في تقويم الأطفال، وغرس المحبة بينهم، وإبعادهم عن الحقد والحسد، ومحبة الوالدين بسبب ذلك.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: “أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟”. قَالَ: لاَ. قَالَ: “فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي”، ثُمَّ قَالَ: “أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟”. قَالَ: بَلَى. قَالَ: “فَلاَ إِذًا”(رواه مسلم). وَفِي رِوَايَةٍ: “فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا؛ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ”.
من هدي النبي في تربية الأبناء:
1-تشجيعهم على طلب العلم ، و إفساح المجال أمامهم لمخالطة من يكبرونهم سنا في مجالس العلم، وحسن الإصغاء و الاستماع أدب رفيع في حق الكبار و الصغار .
2-تهيئتهم لما ينبغي أن يكونوا عليه ، أو يصيروا عليه في كبرهم كالقيادة و الريادة و الإمامة.
3-مداعبتهم و تعليمهم بطريق اللعب ، و هو من الوسائل التي تعتبرها المدارس الغربية في التربية اليوم من أنجع الوسائل و أهمها و أقربها إلى نفس الطفل و أنفعها له ، رغم أن الهدي النبوي سبق إلى ذلك و قرره و شرع فيه صاحبه صلى الله عليه و سلّم بالفعل ، في مواقف كثيرة.
4-الضرب و التأديب بالضوابط الشرعيّة في التعليم.
5 -تعويدهم على فعل الخيرات و منه ارتياد المساجد للصلاة و العبادة والذكر، فمن هديه عليه الصلاة و السلام ربط الأبناء بالمساجد وتوجيههم إليها ، بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز في صلاته مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد، ويحسن تعليمهم وتأديبهم بأداب المسجد.
وننصح هنا بالرجوع إلى كتاب “تربية الأولاد في الإسلام” للشيخ عبد الله علوان رحمه الله.