لم تعرف البشرية دينا حفظ للمرأة كرامتها مثل الإسلام، أما قول النبي ﷺ عن النساء بأنهن (ناقصات عقل ودين) فهذا جزء من الحديث الذي أخرجه البخاري ولا يمكن فهم معناه إلا متكاملا فالحديث يوضح بعضه بعضا، وما ذكر من نقصان عقل المرأة ودينها ليس انتقاصا من قدرها وإنما يشير إلى طبيعة الخلقة التي فطرها الله عليها فلا تُذم على ذلك، فالمرأة والرجل في مقام التكليف سواء، أما مقام التكريم والتفضيل فنص عليه القرآن صراحة فقال سبحانه: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) آية: 13 سورة الحجرات.
معنى نقص العقل والدين عند النساء:
يقول فضيلة المستشار فيصل مولوي -رحمه الله تعالى-نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
إنّ الحديث ليس بهذه الطريقة أولاً وإنما جاء بطريقة أخرى تفيد معاني مختلفة عن هذه المعاني. فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: خرج رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم) في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرّ على النساء فقال: “يا معشر النساء تصدّقن، فإنّي أُريتُكنَّ أكثر أهل النّار” فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: “تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكنّ”. قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: “أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟” قلن: بلى قال: “فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟” قلن بلى. قال: ” فذلك من نقصان دينها” أخرجه البخاري في كتاب الحيض وكتاب الزكاة.
والجواب على هذا من وجوه:
الوجه الأول:هو أنّ النساء المسلمات كنَّ يحرصن على سماع الموعظة من الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) فقد ورد في حديث آخر عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: “قالت النساء للنبيّ (صلَى الله عليه وسلَم) : غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهنّ يوماً لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهنّ…” الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم.
الوجه الثاني: أنّ الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) كان أكثر حرصاً منهنّ عليهنّ ولذلك لمّا جلّى الله له النار ليلة الإسراء والمعراج، وفي رواية أنّه في صلاة الكسوف نظر فيها فإذا أكثر أهلها من النساء وإذا به يسارع في موعظته لهنّ فيقول: ” يا معشر النساء تصدّقن، فإنّي أُريتكُنَّ أكثر أهل النار…” من أجل إنقاذهنّ من النار باستدراك الأخطاء وكشف الصفات السلبيّة التي جعلت النساء أكثر أهل النار.
الوجه الثالث: أنّ المراد بالنساء اللاتي في النار عموم نساء العالمين من أوّل الخليقة إلى يومنا هذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأنّ سبب كثرتهنّ في النار هو: “كثرة اللعن وكفران العشير”. فنبّه النساء المؤمنات الحاضرات مجلس وعظه لاجتناب هذه الأسباب حتّى لا يقعن في النار ويكنّ أكثر أهلها.
أما توجهه إليهنّ بصيغة المخاطبات: “إنّكنّ تكثرن اللعن وتكفرن العشير” فهي صيغة التفات من الغيبة إلى المصور لغرض بلاغي وهو لفت النظر إلى أنّ هذا موجود في جنس النساء فلا تكوننّ كذلك. ولذلك بيّن العلامة الزرقاوي في شرحه لمختصر الزبيدي بأنّ الحكم على الكلّ بشيء لا يستلزم الحكم على كلّ فرد من أفراده.
فإذا أضفنا ما هو معلوم أنّ أكثر أهل الأرض على الكفر وأنّ المؤمنين قلّة كما نطقت بذلك الآيات القرآنيّة فكيف بنصف المجتمع المؤمن القليل وهي المرأة المؤمنة وكيف لو أخرجنا من بينهنّ المجاهرات بالمعاصي والمكابرات والتاركات لأوامر الله ؟ كم يبقى من النساء المؤمنات وكم يبقى من الصالحات القائمات على حدود الله. فهؤلاء قطعاً لا يدخلن النار ولا يصلين حرّها. على هذا نصّت آيات لا تكاد تحصى منطوقاً ومفهوماً، وهذا يعني قطعاً أنّهنّ لن يتّصفن بكثرة اللعن ولا بكفران العشير الموجب لكثرة النساء في النار.
الوجه الرابع: أنّ قوله عليه الصلاة والسلام: “ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكنّ” ليس معناه حصر نقص العقل والدين في النساء فقط وهذا يتذوّقه من كان ذوّاقاً للّغة العربيّة لأنّ معناه المقدّر: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أشدّ إذهاباً لعقل الرجل القويّ من إحداكنّ. وما الفرق من الناحية اللغويّة –بين هذا وبين من يخاطب الفلسطينيّات فيقول: ما رأيت من قويّات قلب أشدّ نكايةً للعدوّ من إحداكنّ ومعنى هذا أنني رأيت قويات قلب ولكن لم أر أشدّ منكنّ نكاية للعدوّ.
ومن هنا يتبيّن أنّ كلام الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) يفيد تخصيص إذهاب عقول الرجال الأشداء بالنساء. والغرض هو التنبيه والتنبّه.
ولذلك لمّا قال عليه الصلاة والسلام ذلك لم تبادر النساء إلى الاعتراض ولكن سكتن عنه وبادرن إلى السؤال عن ماهيّة نقص العقل والدين فيهنّ.
والحقيقة أنّ نقص العقل والدين شيء نسبيّ فقد تجد امرأة أكمل عقلاً من الرجل وأعظم ديناً، أضف إلى ذلك التفاوت بين الكامل والأكمل والناقص والأنقص.
ثمّ أضف إلى ذلك أنّ العموم في النساء (كونهنّ ناقصات عقل ودين) يعارضه حديث “كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم” وهو حديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب قوله تعالى : (وإذ قالت الملائكة يا مريم…) انظر فتح الباري 10 ص. 691 وأخرجه مسلم رقم 2431 في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة… وأخرجه الترمذي رقم 1830 في الأطعمة باب ما جاء في فضل الثريد. وأخرجه أيضاً برواية أخرى برقم 3888 في المناقب باب مناقب خديجة ورواه أحمد في المسند وابن حبان رقم 2222 والحاكم ج3/157. أنظر جامع الأصول ج9 ص. 124-125 ورواية الترمذي وأحمد: “أربع: مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد.”
ومن هنا يتبيّن أنّ الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) ما أراد التنبيه إلى نقصان العقل والدين وإنّما أراد التنبيه إلى إذهاب عقول الرجال بالافتتان بهنّ. وفي نصّ الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح على ذلك يقول: “وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهنّ على ذلك لأنّه من أصل الخلقة لكنّ التنبيه على ذلك تحذيراً من الافتتان بهنّ. ولهذا رتّب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص. أي على ما ذكر من إكثار اللعن وكفران العشير وإذهاب عقول الرجال.
وهنا نقول بأنّه قد توجّه إلى النساء في مجلس وعظه في البداية إلى أنّّ أكثر أهل النار من النساء وفي النهاية وعظهنّ حتّى يتخلّين عن الصفات الموجبة للنار ممّا ذكر إن وجدت فيهنّ ونبّه إلى قوّة تأثير النساء مع ضعفهنّ على العقول الكبيرة في الرجال الأقوياء الحازمين لأمورهم فكيف بالضعفاء منهم والطائشين فكأنّه يقول للنساء: يا معشر النساء تصدّقن ولا تكثرن اللعن ولا تكفرن العشير ولا تفتنّ الرجال فإنّ أكثر أهل النار من النساء.
الوجه االخامس: هو بيان ماهيّة نقص العقل والدين فيهنّ حسب ما طلبن بقولهنّ: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله قال:” أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن بلى قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت المرأة لم تصلّ ولم تصم؟ قلن بلى، قال: فذلك من نقصان دينها”.
شبهة نقصان العقل والدين:
إنّ المتأمّل في هذا الشطر الأخير من الحديث يجد الجواب الشافي والحكيم منه، وأنّ المعنى بخلاف ما يتبادر إلى أذهان الناس وأفهامهم ولأنهم يقفون فقط على نقصان عقل ودين كمن يقف على قوله تعالى: (فويل للمصلّين) ولا يكمل الآية ليتّضح المعنى وهو قوله تعالى (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون).
ويتبيّن أنّ المراد بنقص العقل هو نقص الشهادة تخفيفاً عليها وهذا له شرح طويل وكلّه حكم ورحمة منه تعالى. وأنّ المراد بنقص دينها هو أنها تضع الصلاة أيام حيضها فلا تقضيه وتقضي الصوم فقط كما هو معروف لدى النساء.
والمتأمّل يجد لطيفة في جوابه (صلَى الله عليه وسلَم) ربما لم يتنبّه إليها كثيرون وهي أنّهنّ سألن عن نقص العقل والدين، أي سألن عن نقصهما فلم يجب عن نقصهما وإنما أجاب عن شيء من نقصهما لذلك قال: “فذلك من نقصان” ولم يقل “فذلك نقصان” لأنّ كلمة “من” تفيد التبعيض كما هو معلوم لدى علماء النحو.
وهذا يدلّ على أنّ نقصان العقل والدين يكون بما ذكر من نقص الشهادة ونقص الصلاة وبغيرهما أيضاً ممّا يشترك فيه الرجال والنساء وهو كثير. وبناءً عليه يزيد الإيمان وينقص. فقد يزيد في بعض النساء وينقص في بعض الرجال والعكس بالعكس كذلك.
ومن هنا نقول بأنّ المرأة والرجل متساويان في الخطاب التكليفي وفي الثواب والعقاب. والله أسأل أن يوفقنا في ديننا وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا إنه هو أرحم الراحمين.