الكلام هنا في ثلاث نُقط، الأولى: في ثبوته، الثانية: في دوامه، الثالثة: في كونه للروح والجسد أو للروح فقط.
ثبوت نعيم القبر وعذابه
نعيم القبر وعذابه ثابتانِ بأدلَّةٍ كثيرة منها:
1ـ روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبي ـ ﷺ ـ قال “المسلمُ إذا سُئِلَ في قبره فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله” فذلك قول الله (يُثَبِّتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنْيَا وفي الآخرَةِ).
وفي لفظٍ: نزلتْ في عذاب القبر، يُقال له: مَنْ ربك؟ فيقول: الله ربي ومحمد نَبِيِّي، فذلك قول الله: (يُثَبِّتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة) (إبراهيم: 27).
2ـ روى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “إن العبد إذا وُضِعَ في قبْره وتَوَلَّى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قَرْعَ نِعالهم، أتاه مَلَكَانِ فَيُقعدانه فيقولانِ له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ـ لمحمد ـ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقولانِ: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا، وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويُضرَبُ بمطارقَ من حديد ضربة، فَيَصيح صيحة فيسمعها مَنْ يَلِيهِ غير الثَّقيلينِ” وقوله: لا دريت ولا تليت، دعاء عليه بألا يكون داريًا ولا تاليًا، أو إخبارٌ بِحَالِهِ فإنه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء.
3 ـ روى مسلم أن النبي ـ ﷺ ـ مَرَّ بقبور ثم قال: “إن هذه الأمة تُبْتَلَى في قبورها، فلولا ألا تُدافنوا لَدَعَوْتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أَسَمَعُ منه” ثم قال: “تَعَوَّذُوا بالله من عذاب القبر.
4ـ روى البخاري أن النبي ـ ﷺ ـ رأى في المنام أن مَلَكَيْنِ أَخَذَا بيده، ومَرَّا به على أناس يُعَذَّبُونَ في قبورهم بصور مختلفة لارتكابهم الكبائر، وجاء فيه أن العذاب الذي ينزل بهم يستمر إلى يوم القيامة، يقول ابن القيم: وهذا نَصَّ في عذاب البَرْزَخِ، فإنَّ رُؤيا الأنبياء وَحْيٌ مُطابق لما في نفس الأمر.
5ـ وروى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال في سعد بن معاذ “هذا الذي تَحَرَّكَ له العرش وفُتحتْ له أبواب السماء، وشَهده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضُمَّ ـ هي ضَمَّةُ القبر ـ ثم فُرِجَ عنه.
6ـ روى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ مَرَّ بقبرينِ فقال: “إنهما يُعذَّبانِ وما يُعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يَستترُ من بوله”.
7 ـ يقول الله تعالى: (النارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُّوًا وَعَشِيًّا ويومَ تَقُومُ الساعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذابِ) ( غافر: 46) فالعرض يكون في القبر قبل يوم القيامة.
هذه بعض الأدلة القوية على ثُبوت النعيم والعذاب في القبر، فذلك ثابت بالسُنَّةِ وظاهر الآية، وأهل السنة مُجْمِعُونَ عليه، والإجماع حُجَّةٌ عند أكثر الأصوليين، وأنكره جماعة من المعتزلة، ومهما يَكُنْ مِنْ شيء فإن العقائد لا تثبت إلا بالنص القطعي في ثبوته ودلالته، والحديث الصحيح الذي دَلَّ على نعيم القبر وعذابه اعتبره بعض العلماء مِنْ قطعيِّ الثبوت الذي يفيد العلم اليَقِينيَّ، واعتبره آخرون ظَنِّيَّ الثبوت الذي لا يفيد العلم اليقيني ومن هنا كان الخلاف في الحكم على مَنْ أَنْكَر نعيم القبر وعذابه، هل هو كافر أو غير كافر.
1ـ روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبي ـ ﷺ ـ قال “المسلمُ إذا سُئِلَ في قبره فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله” فذلك قول الله (يُثَبِّتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنْيَا وفي الآخرَةِ).
وفي لفظٍ: نزلتْ في عذاب القبر، يُقال له: مَنْ ربك؟ فيقول: الله ربي ومحمد نَبِيِّي، فذلك قول الله: (يُثَبِّتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة) (إبراهيم: 27).
2ـ روى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “إن العبد إذا وُضِعَ في قبْره وتَوَلَّى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قَرْعَ نِعالهم، أتاه مَلَكَانِ فَيُقعدانه فيقولانِ له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ـ لمحمد ـ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقولانِ: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا، وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويُضرَبُ بمطارقَ من حديد ضربة، فَيَصيح صيحة فيسمعها مَنْ يَلِيهِ غير الثَّقيلينِ” وقوله: لا دريت ولا تليت، دعاء عليه بألا يكون داريًا ولا تاليًا، أو إخبارٌ بِحَالِهِ فإنه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء.
3 ـ روى مسلم أن النبي ـ ﷺ ـ مَرَّ بقبور ثم قال: “إن هذه الأمة تُبْتَلَى في قبورها، فلولا ألا تُدافنوا لَدَعَوْتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أَسَمَعُ منه” ثم قال: “تَعَوَّذُوا بالله من عذاب القبر.
4ـ روى البخاري أن النبي ـ ﷺ ـ رأى في المنام أن مَلَكَيْنِ أَخَذَا بيده، ومَرَّا به على أناس يُعَذَّبُونَ في قبورهم بصور مختلفة لارتكابهم الكبائر، وجاء فيه أن العذاب الذي ينزل بهم يستمر إلى يوم القيامة، يقول ابن القيم: وهذا نَصَّ في عذاب البَرْزَخِ، فإنَّ رُؤيا الأنبياء وَحْيٌ مُطابق لما في نفس الأمر.
5ـ وروى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال في سعد بن معاذ “هذا الذي تَحَرَّكَ له العرش وفُتحتْ له أبواب السماء، وشَهده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضُمَّ ـ هي ضَمَّةُ القبر ـ ثم فُرِجَ عنه.
6ـ روى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ مَرَّ بقبرينِ فقال: “إنهما يُعذَّبانِ وما يُعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يَستترُ من بوله”.
7 ـ يقول الله تعالى: (النارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُّوًا وَعَشِيًّا ويومَ تَقُومُ الساعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذابِ) ( غافر: 46) فالعرض يكون في القبر قبل يوم القيامة.
هذه بعض الأدلة القوية على ثُبوت النعيم والعذاب في القبر، فذلك ثابت بالسُنَّةِ وظاهر الآية، وأهل السنة مُجْمِعُونَ عليه، والإجماع حُجَّةٌ عند أكثر الأصوليين، وأنكره جماعة من المعتزلة، ومهما يَكُنْ مِنْ شيء فإن العقائد لا تثبت إلا بالنص القطعي في ثبوته ودلالته، والحديث الصحيح الذي دَلَّ على نعيم القبر وعذابه اعتبره بعض العلماء مِنْ قطعيِّ الثبوت الذي يفيد العلم اليَقِينيَّ، واعتبره آخرون ظَنِّيَّ الثبوت الذي لا يفيد العلم اليقيني ومن هنا كان الخلاف في الحكم على مَنْ أَنْكَر نعيم القبر وعذابه، هل هو كافر أو غير كافر.
دوام نعيم القبر وعذابه
جاء في كتاب: “مشارق الأنوار” للعدوي (ص: 36).
بعد أن سَاقَ عِدَّةَ نُصوص لا تَرْقَى إلى درجة تُؤخذ منها عقيدة لقوله: فَتَحَصَّلَ مما سبق أن النعيم لا يكون دائمًا، وأما التعذيب فإما أن يكون دائمًا أيضاً وهو عذاب الكفار وبعض العُصاة، ومُنقطعًا وهو لبعض العصاة، ولذلك قال العلامة الدردير في “خَرِيدَتِهِ :”العذاب قسمان إما دائم وهو للكفار وبعض العصاة، أو مُنْقَطِعٌ وهو لبعض العصاة مِمَّنْ خَفَّتْ جرائمه، وانقطاعه إما بسببٍ كَصَدَقَةٍ أو دعاء، أو بلا سبب أي بمجرد العَفْوِ.
ثم قال في صفحة: 37 ويرتفع العذاب من سائر الخلْق ليلة الجمعة ولو كفارًا ثم يعود على الصحيح، قال العلامة النفراوي: وقيل إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدًا، قال: وحينئذ مَنْ مات قبل يوم الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يومًا، وبه قال بعضهم، انتهى قال العدوي: وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطي حيث قال في “شفاء الصدور” إن عدم العود لا دليل عليه، فلم يَرِدُ في هذا حديث صحيح ولا حسن.
ثم قال: وما قاله الإمام السيوطي فهو في غاية الظهور، لِمَا تقدم لك من حديث البخاري ومسلم السابق في الجريدتين بقوله: “لعل الله يُخَفِّفُ عنهما ما لم يَيْبَسَا” وفي رواية لأبي داود “يُهَوَّنُ عليهما ما دام مِنْ بلواتهما شيء” فهذا القيد منه ـ ﷺ ـ ظاهر فيما قاله السيوطي ولا يُلتفت لغيره، لا سِيَّمَا في مجالس الفَجَرَةِ المُتجاهرينَ بالفِسْقِ.
بعد أن سَاقَ عِدَّةَ نُصوص لا تَرْقَى إلى درجة تُؤخذ منها عقيدة لقوله: فَتَحَصَّلَ مما سبق أن النعيم لا يكون دائمًا، وأما التعذيب فإما أن يكون دائمًا أيضاً وهو عذاب الكفار وبعض العُصاة، ومُنقطعًا وهو لبعض العصاة، ولذلك قال العلامة الدردير في “خَرِيدَتِهِ :”العذاب قسمان إما دائم وهو للكفار وبعض العصاة، أو مُنْقَطِعٌ وهو لبعض العصاة مِمَّنْ خَفَّتْ جرائمه، وانقطاعه إما بسببٍ كَصَدَقَةٍ أو دعاء، أو بلا سبب أي بمجرد العَفْوِ.
ثم قال في صفحة: 37 ويرتفع العذاب من سائر الخلْق ليلة الجمعة ولو كفارًا ثم يعود على الصحيح، قال العلامة النفراوي: وقيل إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدًا، قال: وحينئذ مَنْ مات قبل يوم الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يومًا، وبه قال بعضهم، انتهى قال العدوي: وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطي حيث قال في “شفاء الصدور” إن عدم العود لا دليل عليه، فلم يَرِدُ في هذا حديث صحيح ولا حسن.
ثم قال: وما قاله الإمام السيوطي فهو في غاية الظهور، لِمَا تقدم لك من حديث البخاري ومسلم السابق في الجريدتين بقوله: “لعل الله يُخَفِّفُ عنهما ما لم يَيْبَسَا” وفي رواية لأبي داود “يُهَوَّنُ عليهما ما دام مِنْ بلواتهما شيء” فهذا القيد منه ـ ﷺ ـ ظاهر فيما قاله السيوطي ولا يُلتفت لغيره، لا سِيَّمَا في مجالس الفَجَرَةِ المُتجاهرينَ بالفِسْقِ.
نعيم القبر وعذابه للروح والجسد أو للروح فقط.
قال ابن القيم: مذهب سَلَفِ الأُمَّةِ وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يَحْصُلُ لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مُفارقة البَدَنِ مُنَعَّمَةٌ أو معذبةٌ، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أُعِيدَتْ الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين. ومَعَادُ الأبدان مُتَّفَقٌ عليه بين المسلمين واليهود والنصارى.
قال الحافظ ابن حجر في “الفتح”: وذهب أحمد بن حزم وابن هُبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عَوْدٍ إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا: تُعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثَبَتَ في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ولا يَمْنَعُ من ذلك كَوْنُ الميت قد تتفرق أجزاؤه؛ لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه.
والحامل للقائلينَ بأنَّ السؤال يقع على الروح فقط أنَّ الميت قد يُشَاهَدُ في قبره حَالَ المسألة لا أثر فيه، من إِقْعَادٍ ولا غيره ولا ضِيق في قبره ولا سَعَةٍ، وكذلك غير المقبور كالمصلوب. وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة، بل له نظير في العادة وهو النائم، فإنه يَجِدُ لَذَّةً وألمًا لا يُدركه جليسه، بل اليقظانُ قد يُدرك ألمًا ولَذَّةً لما يَسمعه أو يُفكر فيه ولايُدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صَرَفَ أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عليهم، إبقاءً عليهم لِئَلا يَتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرةٌ على إدراك أمور المَلَكُوتِ إلا مَنْ شاء الله، وقد ثَبَتَتْ الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله “إنه لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ” وقوله: “تَختلفُ أضلاعُهُ لِضَمَّةِ القبر، وقوله” يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق” وقوله “يَضرب بين أُذنيه” وقوله “فَيُقْعِدَانِهِ” وكل ذلك من صفات الأجساد.
وقال الدردير في كتابه “الخَريدة” والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يُقْبَرْ، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب، إذ لا مانعَ مِنْ أنْ يَخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو بعضها نوعًا من الحياة قَدْرَ ما يُدرك ألم العذاب ولَذّةَ النعيم، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يُرى أثر العذاب عليه، حتى إنَّ مَنْ أكلتْه السباع أو صُلِبَ في الهواء يُعَذَّبُ إنْ لم نَطَّلِعْ على ذلك.
ثم قال: ومِنْ عذاب القبر ضَغْطَتُهُ، وهي الْتِقَاءُ حَافَّتَيْهِ حتى تَختلف أضلاعُ الميت، وتختلف باختلاف العمل، حتى إن الصالح تَضُمُّهُ ضَمَّةَ الأمِّ الشَّفُوقَةِ على وَلَدِهَا.
قال الحافظ ابن حجر في “الفتح”: وذهب أحمد بن حزم وابن هُبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عَوْدٍ إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا: تُعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثَبَتَ في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ولا يَمْنَعُ من ذلك كَوْنُ الميت قد تتفرق أجزاؤه؛ لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه.
والحامل للقائلينَ بأنَّ السؤال يقع على الروح فقط أنَّ الميت قد يُشَاهَدُ في قبره حَالَ المسألة لا أثر فيه، من إِقْعَادٍ ولا غيره ولا ضِيق في قبره ولا سَعَةٍ، وكذلك غير المقبور كالمصلوب. وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة، بل له نظير في العادة وهو النائم، فإنه يَجِدُ لَذَّةً وألمًا لا يُدركه جليسه، بل اليقظانُ قد يُدرك ألمًا ولَذَّةً لما يَسمعه أو يُفكر فيه ولايُدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صَرَفَ أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عليهم، إبقاءً عليهم لِئَلا يَتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرةٌ على إدراك أمور المَلَكُوتِ إلا مَنْ شاء الله، وقد ثَبَتَتْ الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله “إنه لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ” وقوله: “تَختلفُ أضلاعُهُ لِضَمَّةِ القبر، وقوله” يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق” وقوله “يَضرب بين أُذنيه” وقوله “فَيُقْعِدَانِهِ” وكل ذلك من صفات الأجساد.
وقال الدردير في كتابه “الخَريدة” والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يُقْبَرْ، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب، إذ لا مانعَ مِنْ أنْ يَخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو بعضها نوعًا من الحياة قَدْرَ ما يُدرك ألم العذاب ولَذّةَ النعيم، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يُرى أثر العذاب عليه، حتى إنَّ مَنْ أكلتْه السباع أو صُلِبَ في الهواء يُعَذَّبُ إنْ لم نَطَّلِعْ على ذلك.
ثم قال: ومِنْ عذاب القبر ضَغْطَتُهُ، وهي الْتِقَاءُ حَافَّتَيْهِ حتى تَختلف أضلاعُ الميت، وتختلف باختلاف العمل، حتى إن الصالح تَضُمُّهُ ضَمَّةَ الأمِّ الشَّفُوقَةِ على وَلَدِهَا.