عبارة: أرادت الأيام أو إرادة الزمن، أو غيرها من العبارات التي ينسب الفعل فيها إلى غير فاعله الطبيعي كأن يسند للزمان أو المكان، فعند الحكم على هذه العبارات ينظر إلى قائل هذه العبارة، ما معتقده؟ بماذا يؤمن؟
-فإذا خرج الكلام من دهْري [نسبة إلى الدهر وهو من ينسب الأفعال للطبيعة] فإننا نأخذ عليه هذه العبارة، ونقول له: الله الذي يريد لا الأيام.
-أما إذا خرج الكلام من موحِّد من أهل الإسلام فإن كلامه يحمل على المجاز ، و يكون صحيحا معتبرا ، فمن المعلوم أن السماء لا تسقي أحدا بل الله هو الذي ينزل المطر، ولكن يجوز للمسلم أن يقول : سقت السماء ، وفي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ .
حكم نسبة الأفعال للزمان:
يجوز نسب الفعل للزمان إذا خرج من موحِّد يؤمن بالله، فيجوز أن يقال: أنبت الربيع البقل، ومن المعلوم أن الربيع لا ينبت بقلا بل الله سبحانه وتعالى هو الذي ينبت ، ولكن لما كان الربيع زمان الإنبات جاز إسناد الكلام إليه، وقد استخدم النبي ﷺ هذا التركيب، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عطاء بن يسار: أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ : إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُكَلِّمُكَ، فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَ فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ [أي العرق] فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
هل يخرج الإنسان من الإسلام بسبب كلمة يقولها:
اعتقاد المتكلم له دخل كبير في الكلام، وهو الذي يفرِّق بين الأقوال المنهية عنها شرعا، والأقوال المقبولة على سبيل المجاز، فإذا قال الملحد: أهلكنا الزمان، أو شفى الطبيب المريض على اعتبار أن الطبيب هو فاعل الشفاء لا سبب الشفاء، فمثل هذه الكلمة كفر قد نطق به، ويحمل على الحقيقة لا على المجاز.
قال الخطيب القزويني في الإيضاح:
ومنه قوله تعالى حكاية عن بعض الكفار: ” وما يهلكنا إلا الدهر ” ولا يجوز أن يكون مجازاً، والإنكار عليهم من جهة ظاهر اللفظ لما فيه من إيهام الخطأ بدليل قوله تعالى عقيبه ” ومالهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ” والمتجوز المخطئ في العبارة لا يوصف بالظن، وإنما الظان من يعتقد أن الأمر على ما قاله. أهـ
أما إذا قال المؤمن: أهلكنا الزمان، فإن هذا القول يقبل منه على أنه كناية على اشتداد الزمن به، وإذا قال: شفى الطبيب المريض فإنه يقبل منه على سبيل المجاز العقلي، وعلى هذا يحمل إسناد الفعل إلى السماء في الحديث أو للأيام على اعتبار أنها زمن وقوع الفعل.
وعلى هذا يحمل قول الشعراء الذين حملت أبياتهم مثل هذه التراكيب مثل قول أحدهم:
قَلَّبني الدَّهرُ في قـوالـبـه *** وكُلُّ شيءٍ ليومِه سَـبَـبُ
وقال الآخر: بَرَتني صُروف الدَّهْرِ من كلّ جانب
ومنه قول المتنبي الآية في اللغة وعريبها:
رماني الدهر بالأرزاء حتّـى *** فؤادي في غشاء من نـبـال
فلا ضير من نسبة الأفعال للأيام على هذا الاعتقاد.