ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “تَزوَّجوا الودُودَ الولُودَ فإنِّي مُكاثِر بكم الأمَم”(1) . وروي أيضًا بإسناد غير قوي، ولكن تُعضِّده مؤيِّدات من الأدلة أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “تَنَاكَحُوا تَكْثُروا فَإنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة”(2) .
وفي هذا دلالة كافية على أن تحديد النسل بأي وسيلة من الوسائل لا يَجوز في ظلِّ الإسلام أن يكون هدفًا عامًا في الدولة تَهدِف إليه، وتخطِّط له، وتحمِل عليه الناس بتدابير عامة. فلا يَزال، ولن يَزال، العدد البشري في كل أمة من أهم مقاييس شأنها في الأنظار الدولية، وقابليَّات قدرتها وقوتها.

ولكن لا يوجد مانع شرعي في الإسلام من اتخاذ تدابير شخصية (أي: في نطاق شخصي غير عام) من كل فرد بحسَب ظروفه الخاصة وقدرته المالية، بتحديد نسله بطرق منْع الحمْل، دون طرُق الإجْهاض التي فيها عدوان على جنين متكوِّن، إلا في حالات الضرورات التي تصل إلى درجة إباحة المحظورات كضرورة إنقاذ حياة الأم إذا توقَّف على إسقاط حملها.

هذا ما تدل عليه نصوص الشريعة وعموماتها وكلام الفقهاء. وهو الموقف الذي استقر عليه رأي علماء الشريعة الإسلامية المعاصرين في عدة مناسبات وحلْقات اجتماعية كمهرجان الغزالي بجامعة دمشق سنة / 1961م، ومؤتمر تنظيم الوالديَّة في الرِّباط عاصمة المملكة المغربية سنة / 1971، وفي كليهما اشترك فقهاء العصر على مستوى البلاد العربية والإسلامية، وقرَّروا هذا الموقف، كما قرره أيضًا العلامة المحقق الداعية الإسلامي الشيخ أبو الأعلى المودودي في كتابه القيم عن الدعوة إلى تحديد النسل وموقف الإسلام منها.


هامش
(1) رواه أبو داود (2050) في النكاح، والنسائي (3227) في النكاح، والحاكم2: 162 وقال: صحيح الإسناد، ووافَقه الذَّهبي. والودود: المرأة الموادّة. والولود: التي تَكْثُر وِلادَتها، وهذا البناء من أبنيَة المُبالغة. والمُكَاثرة: هي المُفاخَرة بالكثْرة.
(2) قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 2: 22: أخرجه أبو بكر بن مِرْدَوَيْه في تفسيره من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف، ورواه البيهقي في “المعْرفة” عن الشافعي بلاغًا وزاد في آخر: “حتى السَّقط”.