يقول الدكتور محمد السيد الدسوقي:
تجدر الإشارة إلى أن الإسلام الذي بعث به سيدنا محمد ـ ـ هو شريعة الحياة ؛ وبيان صالح للتطبيق الدائم ؛ ودعوة الله للناس جميعًا، ومن ثم كان دين العلم والنظر، ودين الحضارة والتقدم، وكان بتعاليمه وآدابه يبني مجتمعًا قويًا لا يعرف الجمود والتخلف، وإنما ينشد دائمًا معالي الأمور، ويضيف كل يوم جديدًا مفيدًا للحياة الإنسانية الكريمة.
على أن كل الخصائص التي تتفرد بها الحضارة الإسلامية مردها إلى إيمان الإنسان ـ صانع الحضارة ـ بأنه عبد الله في كل ما يأتي ويذر، ومن هنا تهيمن على مظاهر حياته ونشاطه هذه العقيدة، فيصبح كل ما يصدر عنه أو ينهض به طاعة وعبادة، وهذا يسلم بالضرورة إلى تسخير كل العلوم من أجل تحقيق المعني الصحيح لعبودية الإنسان لخالقه.
ولأن الحضارة في الإسلام قوامها العقيدة كانت حضارة إنسانية تحترم الإنسان لذاته دون نظر إلى دينه أو جنسيته، فالإنسان في ظل هذه الحضارة أمن على نفسه وعلى عقيدته وعلى عرضه وماله، لأنها حضارة ترفض مبدأ الإكراه في الدين، كما ترفض البغي والعدوان.
وهي حضارة تكفل للجميع الحق والعدل والكرامة، وهي إلى هذا تفتح للعقل البشري في مجال العالم المنظور كل مجالات البحث والدرس، وهذا هو مناط تجددها وتطورها وصلاحيتها لكل عصر ومصر.

ما هي الحضارة المعاصرة

أما الحضارة المعاصرة بأثارها العلمية الخلابة فإنها بدأت في ظروف جعلتها تنفر من الدين، بل عادته وحاربته، وحين يتحول المرء بعمله وعلمه عن عبودية خالقه فإنه يتجه نحو عبودية ذاته وشهواته، ومهما يحقق له علمه من كسب مادي فإنه في النهاية يصبح وبالا عليه، وبابًا لخطر داهم لا قبل له به، وهذا ما تردت فيه الحضارة المعاصرة.
ولأن الحضارة المعاصرة حاربت الدين فإنها انتهجت طرائق لا تحترم الفطرة الإنسانية، وأغرقت البشرية في بحار المادية والعنصرية وإراقة الدماء استجابة لأهواء التسلط، والتحكم في الضعفاء واستغلالهم.
وقد حذر المفكرون والباحثون من أوزار الحضارة المعاصرة ومن هؤلاء صاحب كتاب ” الإنسان ذلك المجهول” قال” إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، لقد أنشئت دون معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية وشهوات الناس، وأوهامهم ونظرياتهم ورغباتهم).
ويقول عن سبب انحراف هذه الحضارة:ـ يجب أن يكون الإنسان مقياسًا لكل شيء، ولكن الواقع هو عكس ذلك، فهو غريب في العالم الذي ابتدعه، إنه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه، لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته، ومن ثم فإن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية.

هل الإسلام يقف ضد الحضارة

الإسلام لا يقف من الحضارة المعاصرة موقف المناهض لها من حيث مبتكراتها ومخترعاتها، ولكن من حيث الفلسفة التي تقوم عليها، إنها فلسفة عزلت العلم عن الدين، واتخذته وسيلة للبغي والعدوان وأمتهان كرامة الإنسان، إنها فلسفة عبدت المادة والشهوات، وتخلت عن عبادة الله، فهي لهذا تمثل جاهلية جديدة في تاريخ البشرية كما يرى بعض المعاصرين.