‏جاء في تفسير القرطبي مختصرًا في قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم)

روى الأئمة واللفظ للمسلم عن جابر بن عبد الله قال: (كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دُبرِها في قُبُلِها كان الولد أحول)؛ فنزلت الآية “نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم” زاد في رواية عن الزهري: إن شاء مُجَبِّية وإن شاء غير مُجَبِّيةٍ غير أن ذلك في صمام واحد.
ويروى: في سمام واحد بالسين؛ قاله الترمذي.
وروى البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه؛ فأخذت عليه يومًا؛ فقرأ سورة “البقرة” حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت: لا؛ قال: نزلت في كذا وكذا؛ ثم مضى.
وعن نافع عن ابن عمر: “فأتوا حرثكم أنى شئتم” قال: يأتيها في الفرج.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال: إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب: وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم؛ فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف؛ وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحًا منكرًا؛ ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات؛ فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار؛ فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني؛ حتى شري أمرهما)؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله عز وجل: “فأتوا حرثكم أنى شئتم”؛ أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.

وروى الترمذي عن ابن عباس قال: (جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: (وما أهلكك؟) قال: حولت رحلي الليلة؛ قال: فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا؛ قال: فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم” أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة) قال: هذا حديث حسن صحيح.
وروى النسائي عن أبى النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر: قد أكثر عليك القول.
إنك تقول عن ابن عمر: (أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن).
قال نافع: لقد كذبوا علي! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض علي المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ: “نساؤكم حرث لكم”؛ قال نافع: هل تدري ما أمر هذه الآية؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا؛ فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن؛ فأنزل الله سبحانه: “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم”.

هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث؛ أي كيف شئتم من خلف ومن قُدَّام وباركة ومستلقية ومضطجعة؛ فأما الإتيان في غير المأتي فما كان مباحًا، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان فى غير المأتي محرم.

ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحترث.

قوله تعالى: “أنى شئتم” معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة؛ كما ذكرنا آنفًا.
و “أنى” تجيء سؤالاً وإخبارًا عن أمر له جهات؛ فهو أعم في اللغة من “كيف” ومن “أين” ومن “متى”؛ هذا هو الاستعمال العربي في “أنى”.
وقد فسر الناس “أنى” في هذه الآية بهذه الألفاظ.
وفسرها سيبوبه بـ “كيف” ومن “أين” باجتماعهما.

وفي قوله تعالى: “فإذا تطهرن فأتوا من حيث أمركم الله” مع قوله: “فأتوا حرثكم” ما يدل على أن في المأتى اختصاصًا، وأنه مقصور على موضع الولد.
قلت: هذا هو الحق في المسألة.
وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به؛ إلا شيئًا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها؛ والفقهاء كلهم على خلاف ذلك، لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء، ولو كان موضعًا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج.
وفي إجماعهم أيضًا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد.
والصحيح في هذه المسألة ما بيناه.

وقد قال أصحاب أبى حنيفة: إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم؛ ولأن القذر والأذى في الدبر أكثر من دم الحيض، فكان أشنع.
وأما صمام البول فغير صمام الرحم.

وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى امرأة فى دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة) وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتاده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تلك اللوطية الصغرى) يعني إتيان المرأة في دبرها.
وروي عن طاوس أنه قال: كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء فى أدبارهن.
قال ابن المنذر: وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه.