معنى “السبوح” في اللغة:
التسبيح : التنزيه .
قال الأزهري : وسبحان الله : معناه تنزيهًا لله من الصاحبة والولد .وقيل : تنزيه الله تعالى عن كلِّ مالا ينبغي أن يُوصف به .
ونَصْبُهُ أنه في موضع فعلٍ على معنى تسبيحًا له ، تقول : سبَّحت الله تسبيحًا له ،أي : نَزَّهته تنزيها .
قال ثعلب : كلُّ اسم على ” فعُّول ” فهو مفتوح الأول ، إلا السُّبُّوح والقدوس فإن الضَّم فيهما أكثر .
وقال سيبويه : ليس في الكلام فُعُّول بواحدة .
وقال الأزهري : وسائر الأسماء تجيء على فَعُّول ، مثل : سَفُّود وقَفُّور وقبور وما أشبهها .
قال : والفتح فيهما ” أى السبوح والقدوس ” أقيس ، والضم أكثر استعمالاً وهما من أبنية المبالغة والمراد بهما التنزيه .
اسم الله “السبوح” في الحديث النبوي:
ورد في حديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده : ” سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، ربُّ الملائكةِ والروح .
معنى “السبوح” في حق الله تعالى :
قال أبو إسحاق الزجاج : السُّبوح : الذي ينزه عن كل سوء.
وقال ابن سيده : سبوحٌ قدوس من صفة الله عز وجل ، لأنه يُسبَّح ويُقدَّس.
وقال الحليمي : السُّبح : ومعناه المنزه عن المعائب ، والصفات التي تعتور المحدثين من ناحية الحديث ، والتسبيح : التنزية .
وقال النووي : وقال ابن فارس والزَّبيدي وغيرهما : سبُّوحٌ هو الله عز وجل ، فالمراد بالسبُّوح القدُّوس : المسَبّح المُقدس ، فكأنه قال : مسبحٌ مقدس ربُّ الملائكة والروح ، ومعنى سبوح : المبرأ من النقائص والشريك ، وكل ما لا يليق بالإلهية ، وقدوس : المطهر من كل ما لا يليق بالخالق.
من آثار الإيمان باسم الله “السبوح” :
- الله تبارك وتعالى منزه عن كلِّ عيب ونقص وسوء ، فله الكمال المطلق سبحانه وتعالى .
- الله جل شأنه يسبحه من في السموات ومن في الأرض ، بمختلف اللغات ، وأنواع الأصوات ، قال سبحانه ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ ( الإسراء : 44 ) .قال أبو إسحاق الزجاج : قيل إن كلَّ ما خلق الله يُسَبِّح بحمده ، وإن صَرير السقف و صرير الباب من التسبيح ، فيكون على هذا الخطاب للمشركين وحدهم ﴿ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء بما الله به أعلمُ لا نفقهُ منه إلا ما عُلِّمناه .قال : وقال قوم : ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ أي ما من دابةٍ إلا وفيه دليل أن الله عز وجل خالقه ، وأن خالقه حكيم مبرأٌ من الأَسْواء ، ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات !قال أبو إسحاق : وليس هذا بشيء لأن الذين خُوطبوا بهذا كانوا مُقرِّين أن الله خالقهم وخالق السماء والأرض ومن فيهن ، فكيف يجهلون الخِلْقة وهم عارفون بها ؟ .قال الأزهري : ومما يدلك على أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تَّعبَّدتْ به قول الله عز وجل للجبال ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ : 10] ومعنى ﴿ أَوِّبِي﴾ : سبحي مع داود النهار كلَّه إلى اليل ، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله عز وجل للجبال بالتأْويب إلا تعبدًا لها .وكذلك قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاَتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ﴾ [ الحج : 18]فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها .وكذالك قوله : ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾ [البقرة : 74] وقد علم الله هبوطها من خشيته ولم يُعرِّفنا ذالك فنحن نؤمن بما أُعلمنا ، ولا ندعي بما لا نكلَّف بأفهامنا من علم فعلها كيفيةً نحدُّها .وهو كلام نفيس جار على مذهب السلف من إجراء النصوص على ظاهرها والبعد عن التأويل والتكلف المذمومين .وقد ذهب إلى هذا ابن جرير الطبري رحمه الله ، فقال في تفسير ﴿ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ وما من شيء من خلقه إلا يسبح بحمده .واستدل لصحة ذلك بما رواه جابر عن النبي ﷺ قال : ” ألا أخبركم بشيء أمر به نوحٌ ابنه ، إن نوحاً قال لابنه : يابني آمرك أن تقول : سبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الحق ، وبها ترزق الخلق ، قال الله : ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ .
- كان رسول ﷺ يذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده ، داعياً ربه عز وجل به ، كما مر معنا في الحديث السابق .
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي