معنى “الحميد” في اللغة:
الحَمْدُ نقيض الذَّمِّ، تقول: حَمِدت الرجل أحمدهُ حمداً ومَحْمَدَةً، فهو حميدٌ ومحمود.
والحمد أعمُّ من الشكر. والمُحَمَّدُ: الذي كثرت خصاله المحمودة.
والحمد والشُّكر متقاربان، والحمد أعمهما، لأنك تحمدُ الإنسان على صفاته الذَّاتية؛ وعلى عطائه، ولا تشكره على صفاته.
والتَّحميد: حمدُك الله عزّ وجل مرةً بعد مرة.
وقال الأزهري: التحميد :كثرةُ حَمْد الله سُبحانه بالمحامد الحَسَنة، والتَّحميد أبلغُ مِن الحمد.
اسم الله “الحميد” في القرآن الكريم:
ورد هذا الاسم سبع عشرة مرة، منها:
قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة: 267).
وقوله تعالى: (رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) (هود: 73).
وقوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (إبراهيم: 8).
وقوله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج: 24).
وقوله تعالى: (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان: 12).
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: 15).
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 41- 42).
وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى: 28).
وقوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج: 8).
معنى “الحميد” في حق الله تبارك وتعالى:
قال أبو عبيدة:”حميدٌ مجيد” أي: مَحمود مَاجِد.
قال ابن جرير في قوله تعالى:(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ): ويعني بقوله”حميد”: أنه مَحْمودٌ عند خَلْقه؛ بما أوْلاهم من نِعَمِه، وبَسَطَ لهم مِنْ فَضله.
وقال في قوله تعالى: (وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً) (النساء: 131): و”الحميد”: الذي اسْتوْجَبَ عليكم أيها الخلق الحمد، بصنَائعه الحميدة إليكم، وآلائه الجميلة لديكم، فاسْتَدِيموا ذلك أيُّها الناس باتقائه، والمُسارعة إلى طاعته فيما يأمُرُكم به؛ ويَنْهاكم عنه.
وقال الزجاج:”الحميد” هو المُحمودُ بكلِّ لسان، وعلى كلّ حال، كما يُقال في الدُّعاء: الحمدُ لله؛ الذي لا يُحمدُ على الأحْوال كلِّها سِواه.
وقال الخطابي:”الحميد” هو المحمودُ الذي اسْتحقّ الحمد بفعاله، وهو الذي يُحمدُ في السراء والضَّراء، وفي الشّدة والرخاء، لأنه حكيمٌ لا يجري في أفعاله الغلط، ولا يعترضُهُ الخطأ، فهو محمودٌ على كل حال.
وقال الحليمي:”الحميد” هو المستحقُّ لأنْ يحمد، لأنَّه جلّ ثناؤه بدأ فأوجد، ثم جمع بين النعمتين الجليلتين: الحياة والعقل، ووالى بين مِنَحِه، وتابعَ آلاءهُ ومِنَنَه، حتى فاتَت العدَّ، وإنْ استُفْرغ فيها الجهد؛ فَمن ذا الذي يستحق الحمد سواه؟ بل له الحَمد كلّه؛ لا لغيره، كما أنَّ المَنَّ منه لا من غيره.
وقال ابن كثير: وهو” الحميد” أي: المَحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقال السَّعدي:”الحميد” في ذاته وأسْمائه وصفاته وأفعاله، فله مِنَ الأسْماء أحسنها، ومِنَ الصّفات أكْملها وأحْسَنها، فإنَّ أفعَاله تعالى؛ دائرةٌ بين الفَضْل والعَدْل.
من آثار الإيمان باسم الله “الحميد”:
1- الإيمان بأنَّ اللهَ جَلّ ثناؤه هو المستحقّ للحمدِ على الإطْلاق، كما قال سبحانه عن نفسه (الحمدُ للهِ رَبِّ العالمِينْ) (الفاتحة:2)، والألف واللام في”الحمد” للاسْتِغراق، أي: هو الذي له جميعُ المحامِدِ بأسْرها، وليس ذلك لأحدٍ إلا لله تعالى، ولا نُحْصي ثناءً عليه، هو كما أثْنَى على نفْسِه، فهو الحميدُ في ذَاته وصفاته؛ وفي أسْمائه وفي أفعاله، فله الحمدُ على كلِّ حالٍ، في كل زمانٍ ومكان، في الشِّدّة والرّخاء، والعُسْر واليسر، وفيما نُحبُّ ونكره، كيف لا؟! وهو العليمُ الحكيم، الفعَّال لما يُريد، المخْتار لما يشاء، فمهْما يقضي ويقدِّر، فهو الموافقُ للحِكْمة البالغة، والعلمِ التام.
وكان ﷺ يقول إذا رفع رأسه من الركوع:” اللهُمّ ربّنا لك الحمدُ؛ ملءَ السَّماوات وملءَ الأرض وما بيْنَهما، وملءَ ما شئتَ مِنْ شيءٍ بعد، أهلَ الثَّناء والمَجْد، لا مانعَ لما أعطيت، ولا مُعْطي لما مَنعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ مِنْك الجدُّ.
وكان ﷺ يقول إذا قامَ إلى الصَّلاة مِنْ جَوف الليل:”اللهمَّ لك الحمدُ؛ أنتَ نورُ السَّماواتِ والأرْض، ولك الحمدُ أنتَ قيَّام السَّماواتِ والأرْض، ولك الحمدُ؛ أنتّ ربُّ السَّماوات والأرض ومَنْ فيهن، أنتَ الحقُّ؛ ووعْدُك الحق….
وكان مرةً يُصلي بأصْحابه؛ فرفع رأسه مِنَ الركوع فقال:”سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمده” فقال رجلٌ وراءه: ربّنا ولكَ الحمدُ، حمْداً كثيراً طَيّباً مباركاً فيه، فلما انْصرفَ قال: مَنْ المتكلّم؟ قال رجلٌ: أنا، فقال ﷺ: “رأيتُ بضعةً وثلاثين مَلَكاً؛ يَبْتَدِرُونها، أيُّهم يَكْتُبُها أوّل”.
وكان ﷺ يُسبِّح الله تعالى في أدْبارِ الصلوات؛ ثلاثاً وثلاثين، ويحمده ثلاثاً وثلاثين..الذّكر المشهور.
وقال ﷺ مُبيِّناً عِظمَ حَمْد الله تبارك وتعالى: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان، والحَمدُ لله تَمْلأُ الميزان، وسُبْحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بينَ السَّماواتِ والأرْض..”.
وقال: “أحبُّ الكلامِ إلى الله أربعٌ: سُبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يَضُرُّك بأيِّهن بدأت…”. وعن مطرِّف بن عبد الله بن الشخير قال: قال لي عمران بن حصين: إني لأحدّثك بالحديث اليوم، لينفَعَك الله عزّ وجل به بعد اليوم، اعلمْ أنّ خيرَ عباد الله تبارك وتعالى يوم القيامة: الحمَّادون..
وهذا له حُكْم الرفع، فهو مما لا يقال بالرأي.
وقال ﷺ في فضل الحَمْد على النّعم:”ما أنْعَم اللهُ على عبدٍ نعمةً؛ فقال: الحمدُ لله، إلا كانَ الذي أعْطاه؛ أفضلَ مما أخذَ”.
أي: كان إلهام الله له من الحمدِ والشكر، أفضل مما أخذ من النعمة.
وأخبر ﷺ أنَّ حمدَ الله تعالى مِنْ أسبابِ رضاه عن العبد، وذلك في قوله: “إنَّ الله ليَرْضَى عن العبد، أنْ يَأكل الأَكْلَةَ؛ فَيَحْمدُه عليها، أو يَشْرب الشَّرْبةَ؛ فيَحمدُه عليها”.
2- وقد اقترن هذا الاسم في الكتاب ببعض الأسماء الحسنى، كقوله تعالى: (إن الله غني حميد) وقوله: (إنه حميد مجيد) وقوله: (الولي الحميد) وقوله: (العزيز الحميد) ويفيد ذلك قدراً زائداً على مفرديهما.
ففي الآية الأولى: له الحمدُ على غِناه؛ وجميل نعمه.
وفي الثانية: له الحمدُ على مَجْده؛ وعظمته وكبريائه.
وفي الثالثة: له الحمدُ على تولِّيه المؤمنين؛ بنصرته ورعايته لهم، ونعمته عليهم، ومحبته لهم.
وفي الرابعة: له الحمدُ على عِزَّته وغلبته، وعلى إعزازه لأوليائه، ونصره لحزبه وجنده.
وفي هذه يقول العلامة أبو عبد الله ابن قيم الجوزية في بيانه لصفات الرب:”صفةٌ تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما، نحو”الغني الحميد””العفو القدير””الحميد المجيد”، وهكذا عامة الصفات المُقْترنة، والأسماء المزدوجة في القرآن.
فإنّ الغِنَى صفة كمال؛ والحمد كذلك، واجتماع الغِنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناءٌ من غناه، وثناءٌ من حمده، وثناءٌ من اجتماعهما، وكذلك” العَفُو القدير” و” الحَميد المجيد” و” العَزيز الحكيم” فتأمله! فإنه مِن أشرف المعارف”.
3- كلُّ ما يُحْمدُ به العباد؛ فهو من الله تبارك وتعالى، فيرجع إليه سبحانه، لأنه الواهب للصفات المحمودة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأيضاً فإنَّ الله سبحانه أخبرَ أنه له الحمدُ، وأنه حميدٌ مجيد، وأنّ له الحمد في الأُولى والآخِرة، وله الحُكم، ونحو ذلك من أنواع المحامد.
والحمدُ نوعان: حمدٌ على إحْسَانه إلى عباده، وهو من الشُّكر.
وحمدٌ لما يستحقّه هو بنفسه من نعُوت كماله، وهذا الحمدُ لا يكون إلا لمنْ هو في نفسه مُستحقٌ للحمد، وإنما يستحقّ ذلك مِن هو مُتصفٌ بصفات الكمال، وهي أمورٌ وجودية، فإنَّ الأمورَ العدمية المحْضة لا حمد فيها، ولا خير ولا كمال.
ومعلوم أنَّ كلَّ ما يُحمد؛ فإنّما يُحمد على ما له مِنْ صفات الكمال، فكلّ ما يحمد به الخَلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه؛ هو أحقُّ بالحمد، فثبتَ أنه المستحقُّ للمَحَامد الكاملة، وهو أحقّ من كلِّ محمودٍ بالحَمد، والكمال مِنْ كلّ كامل، وهو المطلوب.
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي