معنى “الجبار” في اللغة:
جَبَرَ الرجلَ على الأمر؛ يَجْبره جَبْراً وجُبوراً وأجبره: أكْرهه عليه.
والجَبْر خِلاف الكسر، أن تُغني الرجل من الفقر، أو يَجبر عَظْمه مِنَ الكَسر، وتجبَّر النبتُ والشجر: اخْضرّ وأوْرق.
و”الجبار”: العَظيم القوي الطويل.
قال الله تعالى: (إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ) (المائدة:22).
وتجبَّر الرجل إذا تكبَّر. قال تعالى: (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) (مريم: 32) أي: متكبراً على عبادة الله تعالى.
اسم الله “الجبار” في القرآن الكريم:
ورد هذا الاسم في القرآن مرةً واحدة؛ في قوله تعالى:(الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) (الحشر: 23).
معنى “الجبار” في حقّ الله تبارك وتعالى:
قال الطبري:”الجبار”: يعني المُصْلح أمورَ خَلْقه، المُصرّفهم فيما فيه صَلاحُهم.
وقال قتادة: جَبَر خَلْقه على مَا يشاء مِنْ أمره.
وقال الخطابي: ويقال: هو الذي جَبَر مَفَاقر الخَلَق، وكفَاهم أسبابَ المعاش والرزق. ويقال: بل الجبَّار العَالي فوق خَلْقه؛ مِنْ قولهم: تجبّر النَّبات إذا عَلا واكْتهل، ويقال للنَّخلة التي لا تنال اليد طولاً: الجَبّارة.
وقال الشوكاني:”الجبَّار”: جَبَرُوت الله: عَظَمتُه، والعرب تُسمي المَلِك: الجبّار.
وقال السَّعدي:”الجبار”: هو بمعنى العَلي الأعْلى، وبمعنى القهَّار، وبمعنى الرؤوف الجَابر للقلوب المُنْكسرة، وللضَّعيف العَاجز، ولمن لاذَ به؛ ولجَأ إليه.
فيكون معنى الجبار على وجوه:
1-“الجبّار”: هو العَالي على خَلْقه، وفعّال مِنْ أبنية المبالغة.
2-“الجبّار”: هو المُصْلح للأُمور، مِنْ جَبَر الكَسْر إذا أصْلَحه، وجَبَر الفَقير إذا أغْناه.
3-“الجبّار”: هو القَاهر خَلْقه على ما أَراد؛ مِنْ أمرٍ أو نهي.
كما قال تعالى لنبيه ﷺ: (وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ) (ق: 45).
أي: لستَ بالذي تُجبر هؤلاء على الهُدَى؛ ولم تكلَّف بذلك.
وعلى المعنى الأول؛ يكونُ مِنْ صِفات الذّات، على المعنى الثاني والثالث؛ يكونُ من صفات الفعل.
من آثار الإيمان باسم الله “الجبار”:
1- إنَّ الله تعالى هو الجَبّار الذي له العلوُّ على خَلقه، عُلو الذات، وعُلو القدر والصفات، وعلو القهر
والجبر، لا يدنو منه الخلق إلا بأمره، ولا يشفعون أو يتكلمون إلا من بعد إذنه، لن يبلغوا ضره فيضروه، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه.
2- جَبَرَ الله تعالى خَلْقه على ما أراد أن يكونوا عليه من خَلْق، لا يَـمْتنع عليه شيء منهم أبداً (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس: 82).
وقال تعالى:(أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران: 83).
وقال: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف: 54). وقال: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (فصلت: 12). أي: استجيبا لأمري، وانفعلا لفعلي، طائعتين أو مكرهتين.
3- والله سبحانه جبر خلقه أيضاً على ما شاء من أمر أو نهي، بمعنى أنه شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو، كما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ) (المائدة: 1).
فشرع لهم من الشرائع ما شاء، وأمرهم بإتباعها ونهاهم عن العدول عنها، فمن أطاع فله الجنة ومن عصى فله النار. ولم يجبر أحداً من خلقه على إيمان أو كفر، بل لهم المشيئة في ذلك كما قال سبحانه:(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرًْ) (الكهف: 29).
وقال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (الشمس 7-: 10). وهم مع ذلك لا يخرجون عن مشيئته. ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً، ولم يجعل لهم اختياراً كما قال سبحانه: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد: 31). وقال: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) (السجدة: 13).
4- الجبروت لله وحده، وقد مدح اللهُ بهذا الاسم نفسَه، وأما في حَقّ الخَلْق فهو مَذْمومٌ؛ فما الفرق؟!
الفرق أنه سبحانه قَهَر الجبَابرة بجَبروته، وعَلاهم بعظمته، لا يَجْري عليه حُكم حاكمٍ فيجبُ عليه انقياده، ولا يَتَوجّه عليه أمرُ آمرٍ فيلزمُه امتثاله، آمرٌ غيرُ مأمور، قاهرٌ غير مقهور (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء: 23).
وأما الخَلق فهم موصوفون بصفات النَّقص، مَقْهورون مَجْبورون، تُؤذيهم البَقّة، وتأكلهم الدُّودة، وتشوشهم الذُّبابة، أسير جُوعه، وصريع شبعه، ومن تكون هذه صفة؛ كيف يليق به التَّكبّر والتَّجبَّر؟!
وقد أنكرت الرسل على أقوامها؛ صِفة التَّجبر والتكبَّر في الأرض بغير الحقّ، كما قال تعالى عن هود عليه السلام: أنه قال لقومه: (وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) (الشعراء: 130 -131)؛ إلى أنْ قال: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الشعراء: 135). ولكنهم عاندوا؛ واتَّبعوا أمرَ جَبَابرتهم؛ فهَلَكوا أجْمعين. قال تعالى: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (هود: 59).
وقد كان التجبُّر سبباً للطَّبع على قُلُوبهم، فلم تَعْرف مَعْروفاً؛ ولم تُنْكر منكراً؛ (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر: 35). وقد توعّدَ الله سبحانه الجبابرةَ بالعَذاب والنّكال، توعدهم بجهنّم وبئْسَ المِهاد، قال تعالى: (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (إبراهيم: 15 -17).
وقال ﷺ:” يخرجُ عُنقٌ مِنَ النّار يومَ القيامة، له عَيْنان تُبْصران؛ وأذْنان تَسْمعان، ولِسانٌ يَنْطق؛ يقول: إنّي وُكّلتُ بثلاثةٍ: بكلِّ جبّارٍ عنيدٍ، وبكلّ مَن دَعَا مع الله إلهاً آخَر؛ وبالمُصورين”.
وقال ﷺ:” تَحَاجّت الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالت النارُ: أُوثِرتُ بالمُتَكبّرينَ؛ والمُتَجبِّرينَ…”.
5- الأرضُ كلها خُبْزةٌ بيدِ الجبَّار سبحانه وتعالى يومَ القيامة: فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:” تكونُ الأرْضُ يومَ القيامة، خُبزةً واحِدةً، يتكفّؤُها الجبَّار بيده، كما يَكْفَأ أحدُكم خُبْزتَه في السَّفر، نُزُلاً لأهلِ الجنَّة..”.
6- وكان النبي ﷺ يَدْعو بين السَّجدتين؛ فيقول:”اللهمَّ اغْفِر لي؛ وارْحَمني؛ واجبُرْني؛ وارْفَعني؛واهْدِني؛ وعافِنِي؛ وارزقني. فكان يدعو بما دلّ عليه اسمُ”الجبَّار” جل وعلا. قال ابن الأثير: واجْبُرني، أي: أغْنِنِي، من جَبَر الله مصيبته، أي: ردّ عليه ما ذَهبَ منه؛ وعوَّضَه، وأصله منْ: جَبر الكَسْر . – وكان النبي ﷺ يُعَظِّم ربَّه أيضاً بهذا الاسم في الصّلاة، في الركوع والسجود، كما جاء في حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: أنه كان يقولُ في ركوعه:” سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ والمَلَكُوت؛ والكِبْرياء والعَظَمة”.
ويقول في سُجوده مثل ذلك.
من كتاب النهج الأسمى في أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.