لا يجوز للزوج أن يتحكم في زوجته، فيمنعها من زيارة والديها، وفي نفس الوقت يمنعها من استقبالهما في منزله، ففي هذا تقطيع لصلة الرحم.
وإذا سمح الزوج لزوجته أن تستقبلهما ومنعها من الخروج فلا يكون آثما في ذلك، وعليها أن تطيعه.
يقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى -:
من المتفق عليه أن الزوجة يجب عليها أن تطيع الزوج فى أمرين أساسيين، هما المتعة وملازمة البيت، فلو عصته فى أحدهما كانت ناشزا، تسقط نفقتها ويتخذ معها إجراء بينه القرآن في قوله تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن } النساء : 34، وصحت الأحاديث بالنهي عن عصيانها فيما يجب عليها نحوه.
وفي ملازمة البيت روي حديث بسند ضعيف أن رجلا كان في سفر وعهد إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل، أي من الطابق الأعلى إلى الطابق الذي تحته، وكان أبوها فيه، فمرض، فاستأذنت الرسول في زيارته فأمرها أن تطيع زوجها، فمات أبوها ودفن ولم تنزل، فأخبرها الرسول بأن اللَّه غفر لأبيها بسبب طاعتها لزوجها.
بعد هذا أقول:
كما أن للزوج على زوجته حقوقا مؤكدة يعرِّض التفريط فيها إلى عقوبات دنيوية وأخروية -كذلك لوالديها حقوق من البر والإِحسان، منها ما هو واجب يعرِّض لعقوبة اللَّه: ومنها ما هو مندوب لا عقوبة عليه، لكن حق الزوج مقدم على حق الوالدين، فقد روى الحاكم وصححه والبزار بإسناد حسن أن عائشة رضي اللّه عنها سألت الرسول ﷺ: أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال ” زوجها ” قالت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال ” أمه “.
ويمكن للزوجة أن توفق بين طاعتها لزوجها وطاعتها لوالديها دون إثارة مشكلات أو تعرَّض لعقوبات، ومن العشرة بالمعروف التي أمر اللّه الزوج بها مع زوجته. أن يمكنها من بر والديها وصلة رحمها، لكن ليست زيارتها لهما هى الوسيلة الوحيدة للبر والصلة، فقد يتم ذلك بمكالمة تليفونية أو إرسال خطاب مثلا، أو بزيارة أهلها لها في بيت زوجها، وكل ذلك في نطاق المصلحة الزوجية، فإذا رأى الزوج أن زيارتها لأهلها تضر الحياة الزوجية كان له منعها، ولو خرجت بدون إذنه كانت ناشزا وحكم النشوز معروف، وليس منعه لها من زيارة أهلها معصية حتى نبيح لها أن تخالفه، بناء على ما هو معروف من أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالبر كما قلنا-يحصل بغير زيارتها لأهلها، وقد يكون المنع في مصلحتها هي أيضا، فلا يجوز لها أن تتمسك بهذه الزيارة وتعلق حياتها مع زوجها عليها، فذلك عناد يجر إلى عناد أكبر قد تندم على نتيجته.
وبحسن التفاهم يمكن الخروج من هذه الأزمة، والوسائل لذلك كثيرة، وعلى الوالدين أن يساعدا ابنتهما على استقرار حياتها الزوجية بعدم إثارة الزوابع التي تعصف بسعادة كل من تعرض لها أو تسبب فيها.
هذا، وقد نشر كلام حدث منذ أكثر من مائة سنة جاء فيه – حول هذا الموضوع – أن الأبوين إذا كانا قادرين على زيارة ابنتهما فلا تخرج هي لزيارتهما إلا بإذن الزوج، وكلام يبيح لها أن تخرج للزيارة كل أسبوع بإذن وبغير إذن، وقيَّد بعضهم ذلك بعدم قدرتهما على زيارتها ( الشيخ محمد عبده ذكر كل ذلك بتاريخ 27 من ربيع الأول سنة 1322. واختار أن تخرج إلى أبويها فى كل جمعة، أذنها الزوج أو لم يأذن، ولها أن تخرج إلى المحارم كذلك كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه، كما أن لها أن تخرج إلى الأهل كذلك كل سنة مرة بالإذن وبدونه، أما خروجها زائدًا على ذلك للأهل فيسوغ لها بإذنه.
وكان اختياره لذلك بعد عرض أقوال الفقهاء الأحناف من كتبهم، دون أن يكون لأقوالهم أو لاختياره هو أي دليل من قرآن أو سنة ” الفتاوى الإِسلامية مجلد 4 ص 1355 ” وكل ذلك اجتهاد نظر فيه إلى العرف الجاري في زمانهم، لكن الأصل الذى يجب أن يعلم هو أن الزيارة فى حد ذاتها ليست ممنوعة، فقد أذن الرسول والصحابة لنسائهم بذلك، والمدار هو على تحقيق المصلحة وعدم المفسدة، مع مراعاة تقدم حق الزوج على الأبوين، والواجب يقدم على المندوب، وللتحديد بمدة يرجع فيه إلى العرف، ومخالفته لا ترقى إلى درجة التحريم وكلامهم هو في الأولى والأفضل . ولعل ما ذكرته يكون أقرب إلى الصواب).