إن إيمان المسلم:
-بالله الذي لا يغلب.
-وبالحق الذي لا يخذل.
-وبالخلود الذي لا ينقطع.
-وبالقدر الذي لا يتحول.
-وبالأخوة الصادقة التي لا تهن.
مصادر فياضة بالقوة المعنوية التي لا يقاس إليها قوة المادة أو السلاح، وعلى قدر نصيب المرء من الإيمان يكون نصيبه من تلك القوة.
نرى ذلك بارزاً في أرجح المؤمنين ميزاناً بعد رسول الله ﷺ، فقد تمثلت قوته في مواقف جعلت عمر الجبار الشديد يقول: “والله لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح … “.
-موقفه يوم توفي الرسول ﷺ فذهل المسلمون، وأخرجتهم الفجيعة عن وعيهم، حتى روي أن عمر قال: من قال أن محمداً مات ضربت عنقه بسيفي هذا!
هنالك وقف أبو بكر يؤذن في الناس بصوت جهير: “من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت …”، وقرأ قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) (آل عمران: 144) .
-وموقفه بعد ذلك يوم تردد المسلمون في إنفاذ جيش أسامة الذي جهزه النبي إلى الشام قبل مرض موته، فقد طلبوا من أبي بكر أن يوقف مسير هذا الجيش، فإن الغد مليء بالطوارئ والاحتمالات، ولا يدرى أحد ماذا يفعل العرب في القبائل والقرى إذا علموا أن النبي قد مات .. ولكن أبا بكر أجابهم في حزم عازم وقال: “والذي نفس أبي بكر بيده … لو ظننت أن السباع تختطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته”.
-وموقفه في حرب المرتدين ومانعي الزكاة في الوقت الذي برزت فيه قرون العصبية الجاهلية كأنها قرون الشياطين، وكان المسلمون -بعد موت رسولهم- كالغنم في الليلة المطيرة، كما وصفتهم عائشة- وحتى قال بعض المسلمين لأبى بكر: يا خليفة رسول الله، لا طاقة لك بحرب العرب جميعاً .. الزم بيتك، وأغلق بابك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين .. ولكن هذا الرجل الخاشع البكاء، الرقيق كالنسيم، اللين كالحرير، الرحيم كقلب الأم، ينقلب في لحظات إلى رجل ثائر كالبحر، زائر كالليث، يصيح في وجه عمر: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام يا ابن الخطاب؟
لقد تم الوحي واكتمل .. أفينقص وأنا حي؟ والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، ما استمسك السيف بيدي!!