1- كلمة الرحم تطلق على الأقارب الذين بينهم نسب كالخال والعم، وكل من كان بينه نسب، والرحم نوعان: رحم محرم، ورحم غير محرم، والرحم المحرم  يكون بين كل اثنين لا يجوز لهما الزواج ببعضهما لو فرض أن أحدهما ذكر كالخالة والعمة والجدة والأخت وبنت الأخت وبنت الأخ فهؤلاء من الرحم المحرم هم وكل من كان مثلهم ، ولا يختلف العلماء في وجوب صلة هذا النوع من المحارم.

2- وأما الرحم غير المحرم فهو النسب الذي لا يترتب عليه تحريم النكاح كبنت الخال، وبنت العم، وبنت الخالة، وبنت العمة،وهذا النوع اختلف العلماء هل يجب وصله كالنوع الأول أم لا، ورجح الحافظ ابن حجر وجوب صلته كالنوع الأول.

3- أما عن مظاهر الصلة فهي ليست نوعا واحدا، ويخطيء كثير من الناس حينما يظنون أن معنى صلة الرحم الزيارة، والصحيح أن كل ما يحصل به إيصال النفع، ودفع الضر هو من الصلة، كما يجب تفقد الأخبار، وتحسس الأحوال، وقد تجب المواساة بالمال للقريب الفقير إذا قدر الإنسان على ذلك.

4- صلة الرحم  واجبة في ذاتها  سواء قوبلت بوصل أو بمجافاة.

5- القريب العاصي يحتاج جهدا أكبر في  محاولة إصلاحه، وإنجائه من معصيته، ولا يجوز هجره بمجرد أنه يأتي من ورائه تشويه للسمعة، ولو أن الإنسان بذل وسعه في هدايته وإصلاحه لما حدث انحرافه هذا، أما إذا استمر القريب في غيه بعد محاولات الإصلاح المستميتة فيمكن حينئذ هجره ليس خوفا على النفس منه ولكن يهجره حتى يؤذيه هجره هذا فيعود إلى الله تعالى.

صلة الرحم:

قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية:

قد توعد الله سبحانه بقطع الأرحام باللعن وإحباط العمل , ومعلوم أن الشرع لم يرد صلة كل ذي رحم وقرابة إذ لو كان ذلك لوجب صلة جميع بني آدم فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم قطعها وتلك قرابة الرحم المحرم . وقد نص عليه بقوله { لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها , ولا على بنت أخيها وأختها فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم } .

وهذا الذي ذكره من أنه لا يجب إلا صلة الرحم المحرم اختاره بعض العلماء ونص أحمد الأول أنه تجب صلة الرحم محرما كان أو لا , وقد عرف من كلام أبي الخطاب أنه لا يكفي في صلة الرحم مجرد السلام وكلام أحمد محتمل .

قال الفضل بن عبد الصمد لأبي عبد الله : رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب ترى أن يزورهم ؟ قال : نعم يزورهم ويراودهم على الخروج منها فإن أجابوا إلى ذلك وإلا لم يقم معهم , ولا يدع زيارتهم .انتهى.

من يجب وصله من الأرحام:

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-

للعلماء في الرحم التي يطلب وصلها رأيان :

الأول : أن الصلة خاصة بالرحم المحرم دون غيره , وهو قول للحنفية , وغير المشهور عند المالكية , وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة , . قالوا : لأنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بني آدم , وذلك متعذر , فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم قطعها , وتلك قرابة الرحم المحرم . وقد قال رسول الله : { لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها وأختها , فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم } .

الثاني : أن الصلة تطلب لكل قريب , محرما كان أو غيره , وهو قول للحنفية , والمشهور عند المالكية , وهو نص أحمد , وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم .انتهى.

قال الحافظ ابن حجر:-

يطلق الرحم على الأقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب، سواء كان يرثه أم لا، سواء كان ذا محرم أم لا.

وقيل: هم المحارم فقط، والأول هو المرجح لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك.

قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.

وأما الرحم الخاصة فتزيد للنفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم.

وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما في الحديث الأول من كتاب الأدب ” الأقرب فالأقرب ” وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء.

والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى.انتهى.

ما حكم قطع الرحم:

قال المناوي في فيض القدير :-

قال رسول الله : ( لا يدخل الجنة قاطع )أي قاطع رحم كما جاء مبيناً هكذا في مسلم عن سفيان ، بل وردت هذه اللفظة في الأدب المفرد للبخاري ، والمراد لا يدخل الجنة التي أعدت لوصال الأرحام ، أو لا يدخلها مع اتصافه بذلك ، بل يصفي من خبث القطيعة إما بالتعذيب أو بالعفو ، وقد ورد الحث فيما لا يحصى من الأخبار على صلة الرحم ، ولم يرد لها ضابط فالمعول على العرف ، ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة ، والواجب منها ما يعد به في العرف واصلاً وما زاد فهو تفضل ومكرمة .ومعنى الرحم والقرابة وهو من بينك وبينه نسب وإن لم يرث ولو لم يكن محرماً على الأصح.انتهى.

وقال الإمام النووي :-

قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.

قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة.

قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً.