نظر مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا هذه المسألة في دورته الرابعة، ووضع ضوابط مهمة للترخص في وجود الضرورة والحاجة، وأوضح أن الضرورة هي الأمر الذي يحصل بعدمه موت أو مرض مخوف أو عجز عن الواجبات، وأما الحاجة فهي الأمر الذي يحصل بعدمه حرج ومشقة ولا ينتهي إلى حد الضرورة. والحاجة لا تبيح المحرم لذاته.

وهذا نص قرار المجمع:

إن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بالقاهرة ـ مصر  في الفترة من 4 – 7 رجب 1427هـ الموافق  28 يوليو حتى 2 أغسطس 2006م بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه بخصوص موضوع ” الضرورة والحاجة وأثرهما في رفع الإثم عن بعض الوظائف والحرف والمهن في الغرب”، والمناقشة المستفيضة التي دارت حوله.

قرر المجمع ما يلي:
أولا: الضرورة:
الضرورة هي الأمر الذي يحصل بعدمه موت أو مرض مخوف أو عجز عن الواجبات، فإذا تحققت الضرورة بضوابطها  الشرعية، جاز للمضطر الإقدام على الممنوع، وسقط عنه الإثم في حقوق الله تعالى، ولكن الضرورة لا تسقط حقوق العباد.

يشترط لاعتبار الضرورة عدة شروط وهي

1-  أن يكون الضرر في المحظور الذي يحل الإقدام عليه أقل من حالة الضرورة.
2- أن يكون مقدار ما يباح أو يرخص فيه مقيدا بالقيد الذي يدفع الضرورة، فالطبيب لا ينظر من العورة إلا بقدر ضرورة العلاج. ولذا قرر الفقهاء القاعدة: ” ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها “.
3- أن لا توجد للمضطر وسيلة مشروعة يدفع بها ضرورته.
4- أن يتقيد زمن الإباحة ببقاء الضرورة أو الحاجة، فما جاز لعذر بطل بزواله، وإذا زال المانع عاد الممنوع.
5- أن تكون الضرورة حقيقية حالة، وليست متوهمة  أو متوقعة، فما يدعيه كثيرون في هذه الأيام من ضرورة التختم بالذهب مثلاً، أو ضرورة التعامل الربوي أو الضرورة الاقتصادية التي تسمح ببيع الخمور وفتح الملاهي للسياح ونحو ذلك، كل هذا لا يعتبر من الضرورات الحقيقية، ولا يباح من أجله الحرام سواء أكان ذلك في بلاد الإسلام أم غيرها.

ثانياً: الحاجة:

هي الأمر الذي يحصل بعدمه حرج ومشقة ولا ينتهي إلى حد الضرورة. والحاجة لا تبيح المحرم لذاته، وإنما تبيح المحرم لعارض خارجي إذا توافرت الشروط التالية:
1- أن تكون المشقة الباعثة على مخالفة الحكم الشرعي الأصلي العام بالغة درجة الحرج والمشقة غير المعتادة.
2- أن تكون الحاجة متعينة، ولا يوجد سبيل آخر من الطرق المشروعة – عادة – يوصل إلى الغرض المقصود سواها.
3- أن يعتبر في تقدير الحاجة حالة الشخص المتوسط العادي في موضع معتاد، ولا صلة له بالظروف الخاصة به؛ لأن التشريع يتصف بصفة العموم والتجرد.
4- أن يشهد لها أهل بالاعتبار، فلا يجوز للمفتي إذا ما لاحت له مصلحة حاجية أن يعتبرها، ويبني عليها من الأحكام ما لم يجد لها شاهداً من جنسها.

ثالثاً: يعتمد فقه الموازنات والترجيح على قاعدة “ما حرًم تحريم المقاصد فلا تبيحه إلا الضرورة، وما حُرًم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة” ، ولا يجوز تعميم الأحكام، بل يجب دراسة كل حالة تبعاً لاختلاف الزمان والمكان والظروف المحيطة بالمستفتي.

ويوصي المجمع بعرض المسائل التطبيقية على لجنة الفتوى بالمجمع وغيره لوضع تصور كامل عن كل مسألة، وما يحيط بها من ظروف وأحوال وملابسات، وتقترح الحل وفقاً للقواعد المقررة شرعاً، ثم تعرض على مجلس المجمع في أول دورة له.
وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.