دائرة الجواز في السباق بلا عوض أوسع منها مع العوض، فيجوز السباق بلا عوض في كل مسابقة توفرت فيها الشروط التالية:
1- أن لا يكون قد ورد نص بحرمتها.
2- لا يشغل التسابق بها عن واجب ديني أو دنيوي.
3- أن يحقق التسابق فيها مقصود للشرع من الاستعداد للجهاد مثلا، وبناء الجسم ونحو ذلك.
4- أن لا يترتب عليها مفسدة، من نحو التباغض والتدابر والتشاحن والتقاتل، والتعرض للموت.
5- أن لاتشتمل على أمر محرم.
جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في بحث أعده كل من (الدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء- أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الإمارات العربية- والدكتور محمود أحمد أبو ليل – أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الإمارات العربية المتحدة) ما يلي :
يستخلص من أدلة الشرع أنه تجوز المسابقة بلا عوض في كل لعب قصد به الترويح أو التدريب أو أي منفعة إن لم يرد نص بتحريمه، ولم يشغل عن الواجبات الدينية أو الدنيوية، ولم يكن فيه أذى لإنسان أو حيوان أو طير، ولم يخالطه محرم، أوتترتب عليه مفسدة.
وتتأكد المشروعية فيما إذا كان يعين على الجهاد، واكتساب العلم، وتنمية المواهب والقدرات.
وعلى هذا تصح المسابقة في الجري، وعلى الخيل والإبل، والمسابقة بين الحيوانات والطيور، وفي الرماية بالسهم والرصاص، وسائر الأسلحة، والمسابقة في الزوارق، والقفز، ورفع ألأثقال، والمصارعة، والرمي بالحجارة بالضوابط الشرعية.
ولا تصح المسابقة في النرد عند الجمهور لورود النهي عنه؛ قال رسول الله ﷺ ” من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه” رواه مسلم .
ولا تصح المسابقة عند بعضهم في الشطرنج للنهي عنه في بعض الأحاديث إلا أنه لم يثبت منها شيء، وبعضهم قاسه على النرد، وهو قياس مع الفارق؛ لأن النرد يقوم على الحظ والمصادفة فأشبه الأزلام، والشطرنج يقوم على إعمال الفكر وصواب التدبير، فهو يعين على تدبير الحروب، وإنما الذي يمكن قياسه على النرد المسابقات الورقية الحديثة وما يشبهها مما يعتمد مطلق الحظ والمصادفة.
ولا تصح المسابقات الخطيرة التي يستبيح فيها كل من المتغالبين الآخر كالملاكمة والمصارعة الحرة التي تمارس اليوم، ولا تصح بما يدل على السفه وقسوة القلب وإيذاء الحيوان كالتحريش بين البهائم، فلا تجوز على تقاتل الكلاب، ولا مهارشة الديكة، أو مناطحة الأكباش، ومصارعة الثيران؛ لما فيه من إيلام لها، وقد روى ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ نهى عن التحريش بين البهائم. رواه أبو داود وغيره.
ولا يصح اتخاذ الحيوان غرضا في الرماية، فقد مر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بفتيان من قريش، وقد نصبوا طيرا، وهم يرمونه ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهن، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله ﷺ لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. أخرجه البخاري ومسلم.
وأفاد ابن حجر في فتح الباري، والشيخ المطيعي في تكملة المجموع أن مالكا والشافعي قصرا المسابقة بلا عوض على الخف والحافر والنصل، وخصهما بعض العلماء بالخيل، وأجازها عطاء في كل شيء، ولكن الذي يؤخذ من مراجع الشافعية والمالكية أن المحظور في غير هذه الثلاث هو المسابقة بعوض.
جاء في مغني المحتاج من كتب الشافعية بعد تعداد أنواع من المسابقات، كالمسابقات على الأقدام وبالسفن والزوارق والسباحة معللا حكمة منعها : ” …. لأن هذه الأمور لا تنفع في الحرب، هذا إذا عقد عليها بعوض وإلا فمباح” .
وجاء في الذخيرة من كتب المالكية: ” وتجوز بالعرض بغير عوض في غير ذلك مما ينتفع به في نكاية العدو ونفع المسلمين كالسفن والطير لتوصيل الأخبار وأما طلب المغالبة فلا يجوز وتجوز المسابقة على الأقدام وفي رمي الحجارة ويجوز الصراع لقصد الرياضة للحرب بغير عوض”.
والحنفية سووا في الحكم – فيما يظهر- بين المسابقات بعوض وبغير عوض، فيؤخذ مثلا مما جاء بكتاب بدائع الصنائع أن المسابقة لا تجوز إلا في النصل والخف والحافر والجري، وهي التي ورد بها النص، وبقي ما وراءه على أصل الحرمة؛ أخذا من مفهوم الحصر في قوله ﷺ : ” كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل امرأته وقوسه وفرسه
ولكن يرد على هذا أن الحديث لم يرد فيه- فيما نعلم- لفظ ” حرام”وإنما ورد لفظ: “باطل”، ونصه : ” كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق” والباطل لا يدل على التحريم بالضرورة، بل يدل على عدم الفائدة.
وقد يلحق بالمحصور غير المحصور قياسا كقوله ﷺ: ” لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث…..” فإنه يلحق به كما قال الغزالي رابع وخامس.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:” وإنما أطلق على الرمي أنه لهو لإمالة الرغبات إلى تعلمه؛ لما فيه من صورة اللهو، ولكن المقصود من تعلمه الإعانة على الجهاد، وتأديب الفرس إشارة إلى المسابقة عليها، وملاعبة الأهل للتأنيس ونحوه، وإنما يطلق على ما عداها البطلان من طريق المقابلة ، لا أن جميعها من الباطل المحرم. انتهى مع تصرف يسير.