على من يبتلى أن يتذكر نعم الله تعالى عليه التي لا تعد ولا تحصى ، وأن يتحلى بالصبر ، ويثبت أمام الشدائد ، ويعلم أن ثباته وتسليمه بقضاء الله تعالى وقدره ، من علامات الرضا والقبول عند الله تعالى .

موقف المسلم عند الابتلاء:

يقول الدكتور الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :

إن هذا الإنسان كثير النسيان، يسوق إليه ربُّه النعم تباعًا، فيلحظ بعضها وينسى أكثرها، وقد يشكر القليل ويكفر الكثير، وكلما فسح الله له في الرزق والمتعة فرط وأهمل وضيع، فإذا سعت إليه الأقدار يومًا باختيار أو ابتلاء لتمحيص أو تطهير، أو إعداد لمكانة سامية في الدنيا أو الآخرة، ثار ومار، وهاج وماج، وقلب دنياه رأسًا على عقب، ونسِيَ كل ما سيق إليه من نعيم وتكريم، ولم يذكر إلا ما أصابه في هذه الساعة كأنه يريد أن تكون الحياة “روضة أطفال” أو ناديًا من نوادي اللهو واللعب، والحياة الحقَّة جهاد وكفاح، وتعب معه راحة، وسعي بعده إسعاد.

وقد صور القرآن الكريم هذه العادة السيئة في الإنسان فقال تعالى: (إنَّ الإنسانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إذا مَسَّهُ الشرُّ جَزُوعًا . وإذا مَسَّهُ الخيرُ مَنُوعًا). (المعارج: 19 ـ 21)، ثم استثنى القرآن من هؤلاء عباده الصادقين، فقال عقب ذلك: (إلاَّ المُصَلِّينَ . الذينَ همْ على صلاتِهِمْ دائمونَ .والذينَ في أموالِهمْ حقٌّ معلومٌ للسائلِ والمَحْرُومِ . والذينَ يُصدقون بيومِ الدينِ . والذينَ همْ مِنْ عذابِ ربِّهمْ مُشفقونَ . إنَّ عذابَ ربِّهمْ غير مأمون…) إلى آخر ما قاله سبحانه في سورة المعراج.

ولو أن المسلم ذكر نعم الله التي لا تحصى، والتفت إلى فضل خالقه عليه في خلقه وعقله، وجسمه وصحته وغير ذلك من شؤون الخير والبر في حياته، لعرف أن الله صاحب الفضل العظيم، وأن له الحمد والمنة في حالتي اليسر والعسر، فيسره إكرام وعسره تقويم، والنكبة دائمًا سحابة إلى انقطاع، والليل يَعقُبُهُ النهار، والضراء تتلوها السراء، والحق سبحانه وتعالى يقول: (فإنَّ معَ العُسْرِ يُسْرًا. إنَّ مع العُسرِ يُسرًا). (الشرح: 5 ـ6). والرسول يقول: “لن يغلب العُسر يُسرينِ”.

رحم الله ذلك المؤمن المُوقن الذي قال: “لو علم الناس ما ينطوي في البلاء من نعم الله لتمنوا أن تكون حياتهم كلها سلسلة من البلاء.

ورحم الله الآخر الذي قال: “إني لأفرح بالابتلاء أكثر من فرحتي بالنعم والرخاء؛ لأني مع النعمة غادٍ على اغترارٍ لا أدري نهايته، وأنا مع الابتلاء واقف موقف الرجاء عند من لا يخيب سائله”.

ثم أين الصبر الخليق بالرجال؟ وأين الاحتمال الجدير بهِمَمِ الأبطال؟ وما قيمة المرء في الحياة إذا كان يعيش بروح الأطفال، يصرخون من أقلِّ ألم، ويبكون لأقل حرمان؟

آيات الصبر في القرآن الكريم:

إن للصبر في القرآن الكريم حديثًا عاطرًا مُستفيضًا، يتعلم المسلم منه كيف يكون كالجبال في الثبات والاحتمال. فقد ذكر الله سبحانه مادة “الصبر” في أكثر من تسعين موضعًا، والقرآن المجيد لا يُعني إلا بتكرار الخطير من الأمور، وهو في حديثه عن الصبر يجعله صفة الصالحين الصادقين، ولا نستطيع أن نذكر كل الآيات التي وردت في القرآن عن الصبر، ولذلك نكتفي بذكر بعضها، وفيها غناء، وفيها شفاء.

يقول الله تعالى: (ولَنَجْزِيَنَّ الذينَ صبَرُوا أجرَهمْ بأحسنِ ما كانُوا يَعلمونَ) (النحل: 96).

ويقول تعالى: (أُولئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بما صَبروا ويُلَقَّوْنَ فيها تحيَّةً وسلامًا) (الفرقان: 75).

ويقول تعالى: (إنِّي جَزَيْتُهُمْ اليومَ بِمَا صَبروا أنَّهمْ هُمْ الفَائِزُنَ) (المؤمنون: 111) .

ويقول تعالى: (ولَمَنْ صَبَرَ وغفَرَ إنَّ ذلكَ لمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ). (الشورى: 43).

ويقول تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنَّةً وحريرًا) (الإنسان: 12).

ويقول تعالى: (واصبرْ فإنَّ اللهَ لا يضيعُ أجرَ المُحسنينَ). (هود: 115).

ويقول تعالى: (واصبرْ على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) .(لقمان: 17).

ويقول تعالى: (إنما يُوَفَّى الصابرونَ أجرهم بغيرِ حسابٍ). (الزمر: 1.) إلى آخر الآيات.

فليست الرجولة في الشكوى والأنين، ولكنها في الاحتمال واليقين، لطف الله بك أيها المسلم، وألهمك جميل الصبر والرضوان.