الحمد في اللغة هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتسجيل، وهو في العُرف يدل على تعظيم المُنعم من حيث إنه منعم على الحامد وغيره، والشكر في اللغة هو الحمد العُرفي، وفي العرف هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خُلق لأجله، فبيْن الحمد اللغوي والعرفي عُموم وخصوص من وجْه، فيجتمعان فيما إذا كان باللِّسان في مقابل نعْمة، وينفرد اللغوي فيما إذا كان باللسان لا في مقابل النِّعمة، وينْفرد العرفي بِصِدْقه بغير اللسان في مقابلة نعمة، فمَوْرد الحمد العرفي أعم وهو اللسان والأركان أي الجوارح، ومتعلَّقُه أخص وهو كونه في مقابلة نعمة، والحمد اللُّغوي عكْسه، والحمد اللغوي مع الشكر اللغوي كَذلك، إذ الشكر اللُّغوي هو الحمد العُرفي كما عُلِم.

إن حمد الله وشكره باللسان يَحْصُل بأية صيغة، وهو مندوب إليه، وجاءت في فضلة أحاديث منها: ما رواه أصحاب السنن عن رفاعة بن رافع ـ رضي الله عنه ـ قال: صلَّيْت خَلْف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَعَطَسْتُ فقلت: الحمد لله حمد كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويَرضي، فلمَّا صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “مَن المُتكلم في الصلاة”؟ فلم يُجِبْه أحد، ثم قالها الثانية “مَن المُتكلم في الصلاة”؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال: “كَيْف قلت؟” قال: قلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه كما يُحب ربُّنا ويَرضي، فقال: “والذي نفْسي بيده لقد ابْتَدَرَهَا بضعة وثلاثون مَلَكًا أيُّهم يَصْعَدُها” قال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية أبي داود أن الرسول قال له: ” ما تناهت دون عرش الرحمن جل ذكْرُه” وفي مسند أحمد أن الرسول قال له: “لقد فُتحت لها أبواب السماء فلم يَنْهَها شيء دون العرش.

يقول السفاريني في غذاء الألباب “ج1 ص11: “إنَّ بعض الناس ذَكَر أنَّ أفْضل صِيَغ الحمد: الحمد الله رب العالمين حمْدًا يُوَافي نعمة ويُكافئ مَزيدَه. وأن ابن القيِّم أنْكر على قائله غاية الإنكار؛ لأنه لم يرد في الصحاح ولا السنن ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث المُعتمدة ولا له إسناد معروف، وإنما يُروى عن أبي نصر التمار عن سيدنا آدم أبى البشر ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: ولا يدري كم بين آدم وأبي نصر إلا الله تعالى. قال أبو نصر: قال آدم: يا رب شغلْتني بكسب يدي، فعلِّمني شيئًا من مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه : يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثًا، وإذا أمسيت فقل ثلاثًا: “الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده”، فذلك مجامع الحمد والتسبيح. قال ابن القيم: فهذا لو رواه أبو نصر التمَّار عن سيدنا آدم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَمَا قُبِلَت روايته، لانقطاع فيما بينه وبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكَيْف بروايته له عن آدم.
قال : وبني على هذا بعض الناس مسألة فقهية فقال: لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع وأجلِّ المحامد فطريقه في بَرِّ يمينه أن يقول: الحمد الله حمدًا يُوافي نعمه ويكافئ مزيده. ورد هذا بما يَطول، والحاصل أن العبد لا يُحصِي ثناءً على ربه ولو اجْتهد في الثَّناء طول عمره.

ثم ذكر أن الإمام أحمد بن حنبل رَوى في الزهد عن الحسن قال: قال داود: إلهي لو أن لكل شعرة مني لسانين يُسبِّحانِكَ الليلَ والنهارَ والدَّهر كلَّه ما قَضيتُ حقَّ نعمة واحدة. ورَوى فيه أيضًا عن المُغيرة بن عتبة قال: لما أنزل الله على داود (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سورة سبا: 13) قال: يا رب كيف أُطيق شكرك وأنت الذي تُنعم عليَّ ترزقني على النِّعمة والشكر ثم تَزِيدُني نعمة بعد نعمة، فالنِّعمة مِنْك يا رب فكيف أُطيق شكرك؟ قال: الآن عَرَفْتَنِي يا داود.