منَّ الله على هذه الأمة المرحومة بأن أرسل إليها خير رسله، وخصهم بكتاب مهيمن على ما سبقه من الكتب، وقد كانت الكتب السماوية قبل نزول القرآن محفوظة على أيدي الرهبان والأحبار فبدلوا وغيروا وحرفوا كلام الله من أجل دراهم معدودات.
أما كتابنا (القرآن الكريم) فقد تولى الله سبحانه وتعالى حفظه بنفسه، وقد أودعه الله صدور عباده، أما ما عداه من الكتب فهي كتب مسطورة تبدل وتغير على حسب الأهواء، وقد أحكم الله قرآنه، فقال سبحانه وتعالى في وصفه: ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )فصلت42.

معنى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

جاء في تفسير القرطبي: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ، ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه ، قاله الكلبي .

وقال السدي وقتادة : لا يأتيه الباطل يعني الشيطان من بين يديه ولا من خلفه لا يستطيع أن يغير ولا يزيد ولا ينقص .

وقال سعيد بن جبير : لا يأتيه التكذيب من بين يديه ولا من خلفه ابن جريج : لا يأتيه الباطل فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عما يكون .

وعن ابن عباس : من بين يديه من الله تعالى : ولا من خلفه يريد من جبريل – – ، ولا من محمد .
تنزيل من حكيم حميد ابن عباس : حكيم في خلقه حميد إليهم . قتادة : حكيم في أمره حميد إلى خلقه .انتهى

وجاء في تفسير السعدي:{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ }- أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }{ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ } في خلقه وأمره، يضع كل شيء موضعه، وينزله منازله.
{ حَمِيدٌ } على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه، مشتملاً على تمام الحكمة، وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، التي يحمد عليها.انتهى

التشكيك في القرآن الكريم

القرآن الكريم كلام الله تكلم به سبحانه وتعالى، وأوحى به إلى رسوله ، وهو من اليقينيات التي لا يقبل المؤمن أن تتعرض للمساس أو التشكيك، ومع هذا لم يسلم هذا الأصل اليقين الثابت المحكم من التشكيك، ومن محاولاتهم وعبثهم، وهم من خلال التشكيك بالقرآن يصلون للتشكيك ببقية يقينيات الدين ومسلماته.

وهذه بعض أقوالهم ورد القرآن الكريم عليها منها:

-قالوا في القرآنِ: إن القرآن كلام بشر، واتهموا النبي  بأنه شاعر وساحر وكذاب، فجاءت الآيات ترد عليهم، فهذا الوليد بن المغيرة يشكك فيما جاء به النبي  ووصفه بأنه ساحر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ [المدثر: 18 – 27].

-وقالوا إنه شاعر أو كاهن، كذبهم الله بقولِه: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الحاقة: 41 – 43]. 

-واتهموا النبي  بأنه ينقل عن خرافات وأساطير الأولين: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: 5].

-وبلغ بهم التكذيب والاستخفاف بالوحي حيث زعموا أنهم يقدرون على الإتيان بمثله: ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: 31].

– واتهموا النبي  بالتقول على الله؛ حيث إنه يخالف ما يؤمر به، ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 101].

-ومما حكى عن المشككين، زعمهم بأن النبي  يأتي به من عند نفسه: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ﴾ [الأنبياء: 5].

وقد رد الله عليهم كل هذا الكذب والافتراء، بإثبات أن القرآن هو كلامه سبحانه وتعالى، وأنه ما كان للنبي  أن يأتي بشيء من عنده، وأنه لو فعل لكان جديرا بالعقوبة، قال سبحانه وتعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: 44- 47].

وقال عن نبيه  ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: 48].

هذه الافتراءات تلقفها أقوام معاصرون سواء من الجماعات والفرق، أو من المفكرين والأكاديميين وغيرهم، وكان تشكيكهم بلغة عصرية تتلبس بلباس الفكر والأدب والثقافة، ومحصلة أقوالهم هي ما قاله أسلافهم نفسها، من أن الوحي لا يوثق به، وأنه لا يبعد عن كلام البشر.

لماذا يشكك البعض في القرآن الكريم

-من المشككين من يبطل مفهوم النبوة ليصل إلى إبطال القرآن الكريم.

-ويذهب بعض المفكرين والباحثين إلى أبعد من التشكيك في القرآن والقول أنه من عند البشر، ويرى هؤلاء أن القرآن فقط أسطورة؛ أي قصة تروى وهي في حقيقتها نوع من الأباطيل والخرافات والحكايات التي يتسلى الناس بتناقلها والاستماع إليها فقط.

-الصراع بين الحق والباطل ماض إلى يوم القيامة، والتجرؤ على الله تعالى وتكذيب رسله ليس وليد اليوم بل ضارب في أعماق التاريخ، وقد قص الله علينا في كتابه تكذيب الأقوام السالفة لرسلهم وما حاق بهم تبعا لذلك، وهذا الزمان ليس استثناء فإننا نجد الهجوم على الإسلام يتخذ أشكالا شتى وأبرزها التشكيك في أصل هذا الدين (القرآن الكريم).

وهكذا يَهدِمون أركانَ الإسلامِ ومبانِيَه العِظامَ بالتحريف والتشكيك والتلاعُب.

وما يريده بعض المتهجمين على القرآن الكريم هو أن يبثوا الشكوك في قلوب الموحدين وهيهات هيهات، أنى لهم أن يستطيعوا ذلك وقرآننا :( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ).