يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله تعالى-:
لم يرد في الكتاب ولا السنة التي يحتج بها شيء في زيارة قبور الصالحين خاصة , بل كان النهي عن زيارة القبور في أول الإسلام مقصودًا به إبعاد المسلمين عن مظنة تعظيم قبور الصالحين ، ولما أذن النبي بعد ذلك بالزيارة للرجال , وعلل ذلك بأنها تذكر بالموت أو بالآخرة ظل ينهى عن تشريف القبور وبناء المساجد عليها ، وعن الصلاة بالقرب منها , وعن إيقاد السرج عليها وكان يلعن فاعلي ذلك , وقال في بعض هذه الأحاديث : ( أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا .. الخ ) كما في مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وغيرها من الكتب .
فعلم من هذه الأحاديث أن زيارة قبور الصالحين هي مظنة الفتنة وتعظيم ما لم يأذن الله بتعظيمه ، لا سيما إذا كانت هذه القبور محاطة بالبدع كبناء المساجد عليها , وإيقاد الشموع عندها ، والصلاة بالقرب منها ، والتمسح بأحجارها ونحاسها ، والتماس الخير ودفع الشر منها بالاستقلال أو الواسطة ، فهذه البدع والمنكرات تجعل زيارة قبور الصالحين دون زيارة سائر القبور التي تقل عندها المنكرات إلا إذا كان من يحضر عند تلك القباب والمساجد يأمر بالمعروف وينهى عن كل منكر يراه .
فإن كان لا يفعل هذا فأي فائدة له من حمل حرمة السكوت على المنكرات الكثيرة لأجل فائدة الزيارة التي لم تفرض عليه , ولم تسن له ، ولم تعهد من الصحابة عليهم الرضوان ، وغاية ما فيها أن النبي ﷺ أذن بها لأجل الاعتبار بعد النهي والمنع ، والأمر الوارد على منهي عنه يفيد الإباحة وأكثر ما فيه أن يقال : هو مستحب إذا خلا من كل منكر .
على أننا مع العلم بهذا كله قد اهتدينا لحكمة ومنفعة خاصة لزيارة قبور المعروفين بالعلم والصلاح ، وهى تذكر تاريخهم وسيرتهم الحسنة ، وما يبعث في النفس حب التأسي بهم في طاعة الله ، وخدمة الحق ، وخذلان الباطل ، وهذا المعنى هو المراد من قول بعض العلماء : إن في زيارة قبور العلماء العاملين والصالحين بركة ، فإن البركة هي الزيادة ، والزيادة لا بد أن تكون في شيء مزيد فيه ، ولا شيء في مقام الزيارة موضع للمزيد إلا الاعتبار المقصود من الزيارة شرعًا ، ويستحب للزائر أن يسلم ويدعو للمزور ، كما ورد فيقف متأملاً معتبرًا داعيًا مستعبرًا ، فهذه هى الزيارة المحمودة ، والأحاديث صريحة في أن الرخصة فى زيارة القبور خاصة بالرجال فلا تجوز للنساء .