إذا كان للمرأة عادة معينة في الدورة الشهرية تعرفها، ثم اختلفت هذه العادة وتغيرت وصارت لا تفرق بين الحيض وغيره فالواجب على المرأة في هذه الحالة أن تعتبر نفسها حائضا نفس المدة التي كانت تأتيها من قبل فلا تصوم ولا تصلي ولا يأتيها زوجها ، وما زاد على ذلك لا تلتفت إليه، أما المرأة التي لم تكن لها عادة ثابتة ، أو كانت لها عادة ثم نسيتها ، فإذا كانت تعرف دم الحيض بغلظه وسواد لونه، ونتن رائحته فلتعتبر نفسها حائضا طوال المدة التي يأتي الدم فيها بهذه الصفات ، أما إذا لم تكن المرأة من هؤلاء جميعا فلتعمل بعادة النساء القريبات منها فإن كانت عادة النساء ستة أيام اعتبرت نفسها حائضا ستة أيام ، وما زاد على ذلك لا تلتفت إليه .

يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب فقه الطهارة، دلت الأحاديث الواردة في شأن المستحاضة: أنها عدة أقسام:

فهناك (المعتادة) التي لها عادة متقررة، عرفتها بالتكرار، ولو مرتين، – وبعضهم قال: العادة تثبت بمرة – فهذه تمكث قدر الأيام المعهودة لها في حيضها، لا تصلى ولا تصوم ولا توطأ، ويحرم عليها كل ما يحرم على الحائض في تلك الأيام.
وهناك مستحاضة: ليس لها عادة معروفة، أو كان لها عادة ونسيتها، ولكنها (تميز) دم الحيض من غيره بغلظه وسواد لونه، ونتن رائحته، فهذه هي التي يسمونها (المميزة) وعليها تمتنع في أيام دمها هذا عن كل ما تمتنع عنه الحائض.
وهناك المستحاضة: التي ليس لها عادة أو لها عادة ونسيتها، ولكنها لا تميز لون الدم بعضه من بعض، وهو ملتبس عليها، فهذه هي التي يسمونها (المتحيرة) لأنها لا تعرف أيام حيضها من طهرها، وتحيرت في أمرها، وبعضهم يسميها (المُحيِّرة) لأنها حيرت العلماء في شأنها، وقد أطال بعضهم الكلام فيما يجب عليها، وحملها من التكاليف والأثقال ما ينوء بها ظهرها، وما يأباه يسر الشريعة السهلة السمحة، التي لم يجعل الله فيها من حرج.

والأولى: أن نرجح هنا ما رجحه العلامة الشوكاني، وتلميذه ـ صديق حسن خان ـ من التيسير والتسهيل على المستحاضة في ضوء الأحاديث الصحيحية، كما في (السيل الجرار) و(الدراري المضيئة) و(الروضة الندية) .

قال الشوكاني في سيل الجرار: (واعلم أنه قد ورد ما يدل على الرجوع إلى عادة النساء، كهذا الحديث يعني: حديث حَمنة بنت جحش، وهو حديث صحيح، وفيه: “فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام، في علم الله، كما تحيض النساء”، وورد ما يدل على الرجوع إلى صفة الدم، كحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن كان دم حيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنه هو عرق” أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
وورد ما يدل على رجوع المرأة إلى عادة نفسها، كحديث أم حبيبة و فيه: ” امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي” .
والجمع بين هذه الأحاديث ممكن، بأن يقال: إن كانت المرأة مبتدأة أو ناسية لوقتها وعددها، فإنها ترجع إلى صفة الدم، فإن كان بتلك الصفة التي وصفها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو دم حيض؛ وإن كان على غير تلك الصفة، فليس بحيض. فإن لم يتميز لها، وذلك بأن يخرج على صفات مختلفة. أو على صفة ملتبسة: رجعت إلى عادة النساء القرائب (فإنما في الغالب لا تخرج عن عادتهن) فإن اختلفت عادتهن، فالاعتبار بالغالب منهن، فإن لم يوجد غالب: تحيضت ستا أو سبعا، كما أمرها رسول الله صلى الله عليه آله وسلم.

وأما إذا كانت غير مبتدأة، بل معتادة عارفة لوقتها وعددها، رجعت إلى عادتها المعروفة. فإن جاوز عادتها رجعت إلى التمييز بصفة الدم، فإن التبس عليها قدر عادتها لعارض عرض لها، والتبس عليها التمييز بصفة الدم: رجعت إلى عادة النساء من قرائبها، فإن اختلفن فكما تقدم في المبتدأة. (أي تعتبر الغالب فيهن، فإن لم يوجد غالب: تحيضت ستا أو سبعا، على غالب عادة النساء، عموما، كما جاء في الحديث).
وبهذا يرتفع الإشكال، ويندفع ما كثر وطال، من القيل والقال! ا.هـ.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في (فتاواه) عندما سئل عن الاستحاضة: أن في المستحاضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنن:
سنة في من لها عادة، يعني ما جاء في حديث : “امكثي قدر أيام حيضتك ثم اغتسلي وصلي” اعتبار العادة لمن تقدم.
وسنة في المميزة وهو قوله: “دم الحيض أسود يعرف”.
وسنة في غالب الحيض، وهو قوله: “تحيضي ستا أو سبعا، ثم اغتسلي، وصلي ثلاثا وعشرين، أو أربعا وعشرين، كما تحيض النساء، ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن”.
قال: والعلماء لهم في الاستحاضة نزاع، فإن أمرها مشكل، لاشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة، فلا بد من فاصل يفصل هذا من هذا.