رَوى الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال “مَن قرأ سورة “التين والزيتون” فقرأ “أليس الله بأحكم الحاكمين” فلْيقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. وكان علي وابن عباس يفعلان ذلك.
هذا في خارج الصلاة.
أما فيها فقد اتَّفق الفقهاء على أن ذِكْر الله في الصلاة لا تَبطُل به إذا قصَد الذِّكر؛ لأنَّ الصلاة كلَّها محلٌّ لذِكْر الله، ومثَّل الأحناف لذلك بالصلاة على النبي ـ ﷺ ـ عند ذِكْره، وقول “جلَّ جلاله” عند ذكر اسم الله، وقول “صدق الله العظيم” عند فراغ القارئ من القراءة. ومثله ما لو أُخبر بخبر سيِّئ وهو في الصلاة فقال “لا حول ولا قوة إلا بالله” ما دام يقصِد مجرد الذِّكر والدُّعاء، وكذلك قال بقيَّة الفقهاء، وجاء في أمثلة الشافعية قول المأموم: استعنَّا بالله، عند قراءة الإمام (إيَّاك نَعْبد وإيَّاك نَسْتعين) ما دام يقصد الدُّعاء.
وعليه فإنَّ قول المأموم “بلى” عند قول الإمام “أليس الله بأحكم الحاكمين” لا يُبطل الصلاة وكلمة “بلى” تُفيد الإثبات بعد النَّفي، وهي هنا إثبات أن الله أحكم الحاكمين.
وجاء في فقه المذاهب الأربعة “طبع وزارة الأوقاف المصرية” ما خُلاصته: قال الحنفية: إذا تكلَّم المصلِّي بتسبيح أو تهليل أو أثنى على الله تعالى عند ذكره، كأن قال: جل جلاله، أو صلَّى على النبي ـ ﷺ ـ عند ذِكْره، أو قال صدق الله العظيم عند فراغ القارئ من القراءة أو قال مثل قول المؤذِّن ونحو ذلك، فإن قَصد به الجواب على أمر من الأمور بطُلت صلاته، أما إذا قَصد مجرد الثناء والذِّكر أو التلاوة فإن صلاته لا تَبطل.
وقال المالكية: إن الصلاة لا تَبْطُل بالتسبيح أو التهليل أو قول لا حول ولا قوة إلا بالله، حتى لو كان ذلك إجابةً لأحد؛ لأن الصلاة كلَّها محلٌّ لها.
وقال الحنابلة: لا تَبطُل الصلاة بالتسبيح أو التهليل أو الذِّكر لغرض من الأغراض، كما إذا رأى ما يُعجبه فقال: سبحان الله، أو أصابته مصيبة فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو أصابه ألَمٌ فقال: بسم الله، ونحو ذلك، فإن صلاته لا تَبطُل به، وإنما يُكره لا غير.
وقال الشافعية: إذا قال: صدق الله العظيم عند سماع آية، أو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله عند سماع خَبَر سوء فإن صلاته لا تَبطُل به مطلقًا، إذْ ليس فيه سوى الثناء على الله تعالى، وإذا سمع المأموم إمامه يقول “إيَّاك نعبد وإيَّاك نَسْتعين”، فقال المأموم مثلَه محاكاة له، أو قال: استعنَّا بالله، أو نستعين بالله، بطُلت صلاته إن لم يَقصد تلاوة ولا دعاء، وإلا فإنْ قصد التلاوة أو الدعاء فلا تَبطُل، والإتْيان بها بدْعة منْهيٌّ عنها.
من هذا نرى أن قول المأموم: استعنا بالله ما دام يقصد به ذكر الله أو الدعاء فإن صلاته لا تبطُل باتفاق الأئمة، أما إذا لم يقْصِد الذِّكر ولا الدعاء فصلاته باطلة عند بعضهم، ويقاس على هذا ما يقوله المأمومون حين قيام الإمام بالقنوت، مثل آمين، أشهد، حقًّا، يا الله وقول المأمومين عقب انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة: اللهم اغفر لي، ليكون تأمينه بعده موافقًا لتأمين الإمام، وثواب ذلك عظيم.
وجاء في كتاب “الأذكار” للنووي أنه يُسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يَسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار ومن العذاب أو من الشر أو من المكروه، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو نحو ذلك. وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه وتعالى نزَّه، فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك الله رب العالمين أو جلت عظمة ربنا أو نحو ذلك.
ثم ساق الدليل على ذلك بحديث مسلم عن حذيفة بن اليمان وهو يصلِّي خلْف النبي بالليل، وقرأ في الركعة الأولى سورة البقرة ثم آل عمران ثم النساء، يقرأ مترسِّلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذَ. قال أصحابنا ـ الشافعية ـ يُستحب هذا التسبيح والسؤال والاستعاذة للقارئ في الصلاة وغيرها، وللإمام والمأموم والمنفرد؛ لأنه دعاء فاستوَوْا فيه كالتَّأمين (في تعليقات ابن عَلَّان عند ذِكر الصلاة قال: سواء كانت فرضًا أو نفلاً، خلافًا للمالكية والحنفية)، ثم قال النووي: ويُستحب لمن قرأ (أليْس الله بأحكمِ الحاكمين) أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ (أليس ذلك بِقادر على أن يُحْيِيَ الموْتى) قال: بلى أشهد. وإذا قرأ (فبأيِّ حديثٍ بعْدَه يؤمنون) قال: آمنت بالله، وإذا قال (سبِّح اسمَ ربِّك الأعلى) قال: سبحان ربي الأعلى، ويقول هذا كله في الصلاة وغيرها، وقد بُيِّنت أدلته في كتاب “البيان في آداب حملة القرآن. ثم يعلق ابن عَلَّان بقوله: الأدلة مروية عن أبي داود والترمذي وهي تَشهد لما قاله المصنِّف مما يقال عند آخر كلٍّ من سورتي التين والقيامة، ومثله قوله تعالى (أليْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَه).