من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات ، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة .
وأما الاستشفاء بالموتى عند القبور وغيرها فهو معدود من الكبائر التي تدخل في الكفر بحسب اعتقاد صاحبه وممارسته الشركية، والأصل العام الذي يبين موقفنا من هذه القضية : ” …زيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة , ولكن الاستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشيد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها , ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة”
مظاهر الولاية والكرامة:
يقول الدكتور يوسف القرضاوي مثبتا الإلهام الذي هو من مظاهر الكرامات لأولياء الله وخاصته :-
لا نِزاع في أن الإيمان والعبادة والتقوى، ومُجاهدة النفس، لها أثرُها في تنوير العقل، وهداية القلب، والتوفيق إلى إصابة الحق في الأقوال، والسَّداد في الأعمال، والخروج من مضايق الاشتباه إلى باحات الوضوح، ومِن اضطراب الشك إلى ثبات اليقين.
ولا نزاع كذلك في أن يَكْشِف الله لبعض المُتَّقين من عباده من حقائق العِلْم، وأنوار المعرفة، في فَهْم كتابه أو سنَّة نبيه، بمَحْض الفيض الإلهي والفتح الرباني ـ ما يلهَث كثيرون ليحصُلوا عليه بالمُذاكرة والتحصيل، فلا يَظْفَرون بما يُدانِيه، بشرط أن يُحَصِّلوا الأدوات الضرورية لفَهْم العلم.
وهذا ما جعل كثيرًا من كِبار العُلماء المُؤَلِّفين في التفسير والحديث والفقه وغيرها، يجعلون في عناوين كُتُبِهم مثل: الفَتْح، والفَيْض، ونحوهما. (مثل: “فَتْح البارِي” لابن حجر، و”فَتْحُ القَدِير” لابن الهُمام في الفقه، و”فتْح القَدِير” للشوكاني في التفسير، و”فَتْح العزيز” للرافعي، و”فَتْح المَلِك العَلَّام” لِصِدِّيق حسن خان، و”فَيْض القدير” للمناوي، و”فَيْض الباري” للكشميري وغيرها).
ولا نِزاع كذلك في أن يُوهَب بعض الناس من صِدْق الفِراسة وقُوَّتها ما يستطيع به أن يكشِف شخصية المَرْء يلقاه بنظرة إليه، أو كلمة يَسْمَعُها منه، أو يقرأ أفكاره، أو يَعْرِف بعض ما يَجُول بنفسه.
وهي مَوْهِبَة فِطْرية لدى بعض الناس تُقَوِّيها الرياضة والمجاهدة، وتُنَمِّيها تَقْوَى الله ـ تعالى ـ ويُصَقِّلها الإيمان واليقين بالله ـ تعالى ـ وبالدار الآخرة، حتى إن المؤمن لَتَصْدُق فراسته، كأنما يَنْظُر بنور الله، ويَنْطِق بلسان القدَر، ويُبْصِر الغيب من وراء سِتْر رقيق.
ولابن القيم هنا كلام جيد في “مدارج السالكين” يجب أن يُقْرأ ويُرَاجع. (مدارج السالكين: 1/ 129 ـ 131).
من هم أولياء الله:
جاء في كتاب بيان للناس الذي أصدرته مشيخة الأزهر إبان الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ما مفاده :-
لولي: مَن تولَّى أوامر الله بالتنفيذ، أو مَن تَوَلَّاه الله بالحِفْظ والرعاية والتوفيق، فمَن آمن بالله حق الإيمان واستقام على الطريق أكرمَه الله في الدنيا والآخرة. قال ـ تعالى ـ: (أَلَا إِنَّ أولِيَاءَ اللهِ لَا خوفٌ عليهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الذينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى في الحياةِ وفِي الآخرةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) (سورة يونس: 62 ـ 64)
وقال: (إنَّ الَّذِينَ قالُوا ربُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عليهمُ الملائكةُ ألَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بالجنةِ التي كنتُم تُوعَدُونَ. نَحنُ أولِيَاؤكُمْ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ ولَكُمْ فيها ما تَشْتَهِي أنفسُكُمْ ولكم فيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلًا من غفورٍ رحيمٍ) (سورة فصلت: 31 ـ 32)
وقال النبي ـ ﷺ ـ فيما يَروِيه عن رب العزة ـ سبحانه وتعالى ـ: “إن الله ـ تعالى ـ قال: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقد آذنْتُهُ بالحربِ، وما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحبُّ إليَّ ممَّا افتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عبدي يتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَهُ الذي يسمَعُ به وبصرَهُ الَّذِي يُبْصِر به، ويدَه التي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَه التي يَمْشِى بها، وإن سألني أعطيتُه، ولئن استعاذَنِي لأُعِيذَنَّه” (رواه البخاري).
الكرامات في القرآن:
من إكرام الله لأوليائه خَرْق العادة لهم، كما خرقها للرسُل معجزة. وقد أجمع أهل السنة على ذلك، وأخبر القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصادقة عن بعض ما ظهرت على أيديهم هذه الكرامات. منها ما يأتي:
في القرآن الكريم:
1ـ مريم ـ عليها السلام ـ: (كلَّما دخلَ عليهَا زَكَرِيَّا المِحرابَ وَجَدَ عندَها رِزْقًا قالَ يَا مَرْيَمُ أنَّى لكِ هذَا قالتْ هُوَ مِنْ عندِ الله إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يشاءُ بغيرِ حِسابٍ) (سورة آل عمران: 37)، (وَهُزِّي إليكِ بجِذْعِ النخلةِ تُساقِطْ عليكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (سورة مريم: 25).
2ـ ما ظهر على يد الخِضر من خرْق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، وهو إما نبي أو رجل صالِح آتاه الله رحمةً من عنده: (وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (سورة الكهف: 65).
3ـ آصف بن برخيا الذي جاء بعرش بلقيس في طرْفة عين إلى سليمان ـ عليه السلام ـ وهو رجل صالح عنده علم الكتاب (سورة النمل: 40).4ـ أهل الكهف والرقيم وبقاؤُهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا أحياءً دون أن يتناولوا طعامًا أو شرابًا (سورة الكهف: 13 ـ 26).
الكرامات في السنة:
في الحديث النبوي:
1ـ أمر الله سحابة أن تَسْقِي حديقة شخص، وسمع شخص ذلك الصوت الآمِر، وهو يمشي في الفلاة، فسارت السحابة وأفرغت ماءها في حديقة هذا الرجل؛ لأنه يتصدق بثلث ما يخرُج منها (رواه مسلم).
2ـ الثلاثة الذين سَدَّت الصخرة عليهم الغار، فدَعَوْا ربهم بصالح أعمالهم فنجَّاهم (رواه البخاري ومسلم).
3ـ الغلام الذي كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويُداوي الناس من سائر الأدواء بإذن الله، فأمر الملِك بقتله عن طريق إلقائه من فوق جبل فنجا، وعن طريق إغراقه في البحر فنجا (رواه مسلم).
4ـ مَن تكلموا في المهد، ومنهم عيسى بن مريم، والصبي الذي ادَّعت أمه أنه ابن جريج العابد، فنطَق عندما سأله مَن أبوك؟ وقال: أبي فلان الراعي. والصبي الذي رأتْ أمه جاريةً اتهمها الناس بالمعصية فدَعَت ربها ألا يجعل ابنها مِثْلَها فنَطق وقال: اللهمَّ اجعْلِني مثلَها (رواه البخاري ومسلم).
5ـ خُبَيْب الذي أُسِر في سَرِيَّة وحبسوه ليقتلوه، كان يرزقه الله بالعنب وهو مُوَثَّق بالحديد وما في مكة ثمرة. ولمَّا قُتِل عاصم بن ثابت في هذه السرية وأراد بعض الأعداء أن يقطعوا جزءًا من جسمه حماه الله منهم بمِظَلَّة من الدَّبْر، أي سحابة من النحل، فلم يَقْدِرُوا أن يقطعوا منه شيئًا (رواه البخاري).
الكرامات في الآثار:
1ـ أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ كان عنده أضياف، فكانوا كلَّما أكلوا من الطعام ربَا وزاد حتى شَبِعوا، وشهد بذلك ابنه عبد الرحمن، وقالت زوجته: إن القصعة أكثر منها قبل أن يأكلوا. والقصة طويلة وطريفة (رواه البخاري). وكذلك أخبر قبل وفاته أن زوجته أسماء بنت خارجة ستَلِد بنتًا فكان كما أخبر (رواه مالك وابن سعد، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 56).
2ـ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي قال عنه النبي ـ ﷺ ـ: “لقد كان فيما قبلَكم من الأمم ناس مُحَدَّثُون، فإن يكُ في أمتي أحد فإنه عمر” (رواه البخاري ومسلم)
3ـ أُسَيْد بن حُضَيْر وعبَّاد بن بشر كانا عند رسول الله ـ ﷺ ـ في حاجة، فلما خرجا والظلام شديد أضاءت لكلٍّ منهما عصاه الطريق (رواه البخاري).
4 ـ مستجابو الدعوة، ومنهم سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الذي كان من خبره أن امرأة ادَّعت زورًا أنه أخذ شيئًا من أرضها، فدعا عليها أن يُعمي الله بصرها ويقتلها في أرضها، فكان ذلك (رواه البخاري ومسلم).
وهناك كرامات أخرى لبعض الصالحين، منها ما هو موثوق السند، ومنها غير ذلك، والمهم هو أن نُؤمن بالكرامة التي هي تكريم من الله ـ سبحانه ـ لمَن آمن به واتقاه، دون الالتزام بحادثة معينة لشخص مُعَيَّن، وأهل السنة على ذلك، ولا يُنْكِرها إلا الخوارج والمعتزلة والرافضة كما ذكره ابن تيمية.
ونُوصي المسلمين ألا يُسرفوا في حب بعض الصالحين فيَجُرُّهم الإسراف إلى اختلاق كرامات لهم، أو إعطائها أكبر من حجمها، وألا يكون ذلك مَدْعاة إلى التنافُس بين الطرُق ومشايخها، والشرط في صدْق الكرامة أن تكون في حدود الشرع، وما خرج عن ذلك فهو كذب مرفوض.