لاشك أن ما يدور بأمتنا الآن ليصيب القلب بالحزن والهم،ولكننا نريد الهم الذي يتبعه همة وحركة وعمل دؤوب لتحقيق عزة أمتنا وكرامتها،والمسلم الصادق لا يعرف أبدًا اليأس بل هو دومًا في حركة دائمة في انتظار النصر المبين الذي بشره به المصطفى : “ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار ولا يبقى بيت مَدر أو وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل،عز يعز الله به الإسلام، أو ذل يذل الله به الكفر”.

-ويقول أيضًا : “لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً”.

-وقد: “سئل النبي : أي المدينتين تُفتح أولاً رومية أو قسطنطينية فقال: مدينة هرقل تُفتح أولاً” وهي القسطنطينية وقد فُتِحت وهي اسطنبول الآن، وقد بقي أن تفتح رومية أي أن الإسلام سوف يدخل أوروبا من جديد.

ولكن لهذا النصر سبيل لا بد من خوضه، ولا يقدر على المضي فيه إلا رجاله الذين تحلو بالإيمان والصبر والثقة في نصر الله تعالى؛ فظهر تجردهم وكثرة تضحياتهم وكل مطمعهم إما النصر وإما الشهادة، كما أن لهذه النصر قوانين لابد أن يعيها من طمع في النصر؛ فالنصر لا يمنح إلا لمن بذل من أجله كل غالٍ ونفيس.

ما هي قوانين النصر؟

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
إن النصر لا يأتي عفوًا، ولا ينزل اعتباطًا، ولا يخبط خبطَ عشواء….
إن للنصر قوانين وسُننًا سجَّلها الله في كتابه الكريم، ليَعرفها عباده المؤمنون ويتعاملوا معها على بصيرة.
أول هذه القوانين: أن النصر مِن عند الله تعالى
فمَن نصره الله فلن يُغلب أبدًا، ولو اجتمع عليه مَن بأقطارها، ومَن خذله فلن يُنصر أبدًا، ولو كان معه العَدد والعُدَّة.
وهذا ما نطقت به آيات القرآن واضحة بلا غموض، قاطعة بلا احتمال قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرُكُمْ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرْكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ المُؤْمِنُونَ).آل عمران:16.
وقال تعالى:(إِذْ تستغيثون ربَّكم فاستجابَ لكم أنِّي مُمِدُّكُم بألفٍ مِن الملائكة مُرْدِفِينَ ومَا جعلَه اللهُ إِلًّا بُشْرى ولِتَطمئن بِهِ قُلُوبُكُمْ ومَا النصرُ إِلَّا مِن عندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزيزٌ حكيمٌ)الأنفال:9 ـ 10.

-قد ينصر الله القِلَّة على الكثرة كما نصر أصحاب طالوت ـ على قلتهم ـ على جند جالوت مع كثرتهم، رغم أن في أصحاب طالوت من قال حين رأى كثافة العدد، وقوة العدد في جيش جالوت كما قال تعالى: (لا طاقةَ لنا اليومَ بجالوتَ وجنودِه قالَ الذين يَظنون أنهم ملاقوا اللهِ كَمْ من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللهِ واللهُ مع الصابرين) البقرة 249.

-وقد ينصر من ليس معه جيش ولا سلاح قط، كما نصر رسوله محمد ـ ـ يوم الغار: (إلاَّ تنصروه فقد نصَره اللهُ إذْ أخرجَه الذين كفروا ثانيَ اثنينِ إذْ هُمَا في الغارِ إذ يَقولُ لصاحِبِه لا تحزنْ إنَّ اللهَ معَنا، فأنزلَ اللهُ سكينَته عليه وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ ترَوْهَا وجعلَ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هيَ العُليا، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ).التوبة: 40.

القانون الثاني: أن النصر للمؤمنين :
-إن الله لا ينصر إلا من نصره، فمن نصر الله نصره الله، قانون جاء بصيغة الشرط والجزاء قال تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمنوا إنْ تنصروا الله يَنصركم ويُثبِّت أقدامَكم) .محمد: 7.
-وجاء في صورة الخبر الثابت المؤكَّد بلام القسم ونون التوكيدكما قال تعالى: ( ولينصرَنَّ اللهُ مَن ينصرُه، إن اللهَ لقويٌّ عزيز).الحج:40.

-إنَّما تتحقَّق النُّصرة لله ـ تعالى ـ بنُصرة دينه، وإعلاء كلمته، وتحكيم شرعه في خلقه، وبهذا جاء في وصف مَن ينصرون الله ـ تعالى ـ عقب الآية السابقة قوله ـ تعالى ـ: (الذين إنْ مكَنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوا الزكاةَ وأمروا بالمعروف ونهَوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور).الحج:41
-وقد يُعبِّر القرآن عن نصر الله ـ تعالى ـ بالإيمان، أو الجُندية لله ـ تعالى ـ فمن آمن بالله حق الإيمان فقد نصر الله ـ تعالى ـ وغدا جنديًّا في جيشه. وفي هذا يقول ـ سبحانه ـ: (وكانَ حقًّا علينَا نصرُ المؤمنين).الروم:47
-ويقول تعالى: (وإنَّ جندنَا لهمُ الغالبون).الصافات:173

القانون الثالث: إن النصر بالمؤمنين :
-إن النصر ـ كما لا يكون إلا للمؤمنين ـ لا يكون إلا بِالمؤمنين فالنصر لهم، والنصر بهم، فهم غاية النصر، وعُدَّته، وفي هذا يخاطب الله رسوله الكريم بقوله: (هوَ الذي أيَّدَك بنصره وبالمؤمنين وألفَّ بينَ قلوبِهم).الأنفال:62 ـ 63

-قد ينصر الله من يريد نصره بالملائكة ينزلهم من السماء إلى الأرض، كما في غزوة بدر والخندق وحنين قال تعالى: (إذ يُوحِي ربُّك إلى الملائكة أني معكم فثبِّتُوا الذين آمنوا).الأنفال:12
وقال تعالى:(فأَرسلْنا عليهم ريحًا وجنودًا لم ترَوها ).الأحزاب:9
وقال تعالى:(ثمَّ أنزلَ اللهُ سكينَته على رسولِه وعلى المؤمنينَ وأنزلَ جنودًا لمْ ترَوها وعذَّب الذينَ كفرُوا). التوبة:26

-وقد ينصر الله من يريد نصره بالظواهر الطبيعية يُسَخِّرُها في خدمته، أو يسلِّطها على عدوه، كما سلَّط الريح على المشركين في الخندق قال تعالى: ( فأرسلْنا عليهم ريحًا )، فُصِّلت:16 وكما أنزل المطر رحمةً على المسلمين في بدر قال تعالى: (ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) الأنفال:11.

-وقد ينصر الله من يريد نصره بأيدي أعدائه وأعداء الله أنفسهم، بما يَقذف في قلوبهم من رعب يُدمِّر معنوِيَّاتهم، ويَقتل شخصياتهم، كما حدَث ليهود بني النضير قال تعالى: (هوَ الذيِ أخرجَ الذينَ كفروا مِنْ أهلِ الكتابِ منْ ديارِهم لأولِ الحشْرِ مَا ظننتُم أنْ يَخْرُجُوا وظنُّوا أنَّهم مانِعَتُهم حصونُهم مِنَ اللهِ فأَتَاهُم اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ في قُلُوبِهُمُ الرُّعبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيدِيهم وأيدِي المؤمنينَ فاعتبِرُوا يا أُولِي الأبصارِ). الحشر:2

ما هي أدوات النصر؟

لكن أدوات النصر هذه كلها تتوقف على وجود “المؤمنين” كما قال تعالى في كتابه الكريم:
-فالملائكة التي نزلت في بدر، لم تنزل على فراغ، بل قال الله لهم: (أنِّي معكُم فثبِّتُوا الذين آمنوا).الأنفال:12
-وفي غزوة الأحزاب أرسل الله ريحَه وجنوده حين قال تعالى: (ابتُلِيَ المؤمنون وزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شديدًا) . الأحزاب:11

-وفي غزوة حنين قال تعالى: (أَنْزَلَ الله ُسَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ).التوبة:26
-وفي غزوة بني النضير كانوا كما قال تعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ). الحشر:2