راعى الإسلام في توزيع الصدقات والزكوات نظاما يضمن به إغناء الفقراء ومواساتهم، وكان من التدابير التي وضعها الإسلام في ذلك أن جعل الزكاة توزع في البلد الذي تجبى فيه مراعاة لنفوس فقراء هذا البلد وهم يرون جمعها فتتطلع نفوسهم إليها من جهة.

ومن جهة أخرى لتنظيم الزكاة، ومن جهة أخرى لضمان إغناء جميع الفقراء ؛ لأن كل فرد إذا طلب منه توجيه زكاته إلى بلده حصل إغناء لمجموع الفقراء في الجملة بخلاف ما لو تركنا الأمر خاضعا لأهواء الناس فلربما ضاعت في زحمة اختيارات الناس بعض البلاد بمن فيها.

وللأمر نفسه وجه الإسلام المتصدق أن يبدأ بأقربائه فيغنيه، ثم ينظر من وراء ذلك، بل إن الإسلام فاضل بين الأقارب أنفسهم فأوجب على الإنسان أن يبدأ بمن يعول، فهل في هذا تحيز لأقرب الأقارب.
وياليت كل عائلة تبدأ بالبحث عن فقرائها فتغنيهم، وتسد خلتهم، ثم تعود بما فاض على من بقي من فقراء المسلمين.

متى يكون تفضيل الأقارب على غيرهم في النفقة:

الأمر الذي نحب أن ننبه إليه هنا أن إيثار الأقارب على غيرهم إنما يكون إذا قل المال فحينئذ نقول بالتفاضل لتزاحم أكثر من واحد على المال فلا بد أن يُعطى أناس ، ويُمنع آخرون عند التزاحم، والاختيار هنا يكون لأقرب الناس.

ولكن عند وفرة المال وكثرته فيعاد بفضله على الغريب بعد إعطاء القريب، ولا يدخر المال تحسبا لما يجد من ظروف للأقارب ويترك الأباعد بلا مال وهم يتضورون جوعا، ويتألمون من البرد.

حكم النفقة على الأقارب:

يقول العلامة الجصاص في تفسيره:-

قد روي عن النبي عليه السلام أخبار في التبدئة بالأقرب في النفقة , فمنها حديث ابن مسعود عن النبي : { اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ; أمك وأبوك وأختك وأخوك وأدناك فأدناك }

وحديث أبي هريرة أن رسول الله قال : { دينار أعطيته في سبيل الله , ودينار أعطيته مسكينا , ودينار أعطيته في رقبة , ودينار أنفقته على أهلك , فإن الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظمها أجرا } .انتهى.

وقال الإمام الشوكاني في تفسير الحديث الذي رواه الترمذي إذ يقول (وعن طارق المحاربي قال { : قدمت المدينة فإذا رسول الله قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول : يد المعطي العليا , وابدأ بمن تعول : أمك وأباك , وأختك وأخاك , ثم أدناك أدناك } رواه النسائي ) .

الأقربون أولى بالمعروف:

يقول الإمام الشوكاني:-

(ثم أدناك أدناك ) هو مثل قوله : ” ثم الأقرب فالأقرب ” وفي ذلك دليل على أن القريب الأقرب أحق بالبر والإنفاق من القريب الأبعد وإن كانا جميعا فقيرين حيث لم يكن في مال المنفق إلا مقدار ما يكفي أحدهما فقط بعد كفايته.