لم يرد ـ فيما نعلم ـ أن سورة الزلزلة أو غيرها تقرأ لإصابة الغير بسوء، بل إن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده ، كما أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح ، وإذا أصابه أحد بسوء فالأولى أن يصفح ويعفو حتى يجزيه الله تعالى بمثل عمله ويصفح عنه ويعفو ، كما قال تعالى : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) وقال : ( وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ! والله غفور رحيم ) .
ولكن لا مانع من الدفاع عن النفس وتوقي الأذى من الآخرين ، والأساس في ذلك التوكل على الله تعالى ، ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) والتوكل يقتضي الأخذ بأسباب النجاة والسلامة ، ويمكن قراءة المعوذتين ، فالنبي ﷺ كان يتعوذ بهما ، ويقول: “تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ” رواه أبو داود وغيره، وفي رواية أحمد والنسائي: “ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها”.
فالواجب التوكل على الله تعالى وقولي :( حسبنا الله ونعم الوكيل )، ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) ليكون المسلم كمن قال الله فيهم لما توكلوا عليه تعالى : ( الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم* إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )، وكمن قال الله تعالى عنه ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) .
ولنتذكر قول النبي ﷺ لابن عباس ـ وهو غلام صغير ـ : يا غلام إني أعلمك كلمات :
احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك .. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك ، إلا بشيء قد كتبه الله عليك …) وقول الله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) وقوله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )….
وقول الله تعالى : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ، قالها إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين ألقي في النار فقال الله لها ( كوني برادا وسلاما على إبراهيم ) وقالها محمد ـ ﷺ ـ وصحبه حين قيل لهم : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، وقالها آخرون من الصالحين في شدتهم فنجاهم الله تعالى.
فهذا هو الحسن البصري ـ رحمه الله ـ يعظ الناس ويحذرهم من الركون إلى السلطان الجائر والاغترار بما في يده من زينة الدنيا ، فلما سمع السلطان بما قال بعث إليه وهو يقول لأعوانه : لأسقينكم من دمه بعد قليل ، فطلب إحضاره ، فلما أتى الحسن بابه دعا الله تعالى بقلبه مع لسانه : اللهم يا من لا يهزم جنده ، ولا يغلب أولياؤه، يا من يجيب المضطر إذا دعاه ، يا سامع كل نجوى أنت حسبي ومن كنتَ حسبه فقد كفيته ، اللهم اجعل شره وغيظه بردا وسلاما علي كما جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم ، فلما دخل عليه قام السلطان إليه مرحبا وأجلسه بجواره وسأله عن أمور وأعجب بكلامه وأمر له بعطاء ، فوزع الحسن ما أخذ على حاشية السلطان .
وهذا نبي الله هود عليه السلام يقول لقومه عاد الذين قالوا : ( من أشد منا قوة ) لما أعطاهم الله من قوة شديدة ، قال لهم:
( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) فأنجاه الله وأهلكهم .
وهذا موسى وقومه حين توعدهم فرعون بما توعد ، قال لهم موسى ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ) فأنجاهم الله وأغرق فرعون وقومه.
وهذا أبو الدرداء الصحابي يخبروه باحتراق بيته فينفي ذلك ويقول : ما كان الله ليفعل ، فقالوا : ولم ؟ قال : بكلمات سمعتهن من رسول الله ﷺ ( تقال في الصباح والمساء):
(اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت ، وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ).
وفي الحديث القدسي أن الله تعالى إذا علم التجاء العبد إليه حين تكيده السماوات والأرض ومن فيهن ؛ جعل له من بين ذلك مخرجا ، فقد روى ابن عساكر والديلمي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه ، أن النبي ﷺ قال : ( أوحى الله عز وجل إلى داود: وعزتي ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها والأرض بمن فيها إلا جعلت له ما بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأرسخت الهواء من تحت قدميه ، وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني ومستجيب له قبل أن يدعوني، وغافر له قبل أن يستغفرني) .
ذكر في “كنز العمال” ،للمتقي الهندي برقم 5690 ، وفي ” الجامع الصغير ” للسيوطي برقم 2783 ، وحسنه الإمام السيوطي .
وأرسخت الهواء: قال الراغب في مفرداته: والهواء ما بين السماء والأرض انتهى.فيكون المعنى ليس تحت أقدامه شيء يستند عليه. وغافر له قبل أن يستغفرني: أي الصغائر والهفوات.
وقد قال الله تعالى : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) وقال: ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .
وفي الخبر : ( إن الله إذا استحفظ شيئا حفظه) وكان السلف يقولون : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، فليقول المسلم :
اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي فاحفظني بما تحفظ به عبادك الصالحين.