أنواع الحديث:
النوع الأول: الحديث باعتبار وصوله إلينا:-
ونعني به الحديث من حيث عدد رواته، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين:-
1- الحديث المتواتر : أقوى أنواع الحديث.
تعريفه: هو ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات رواته،
شروطه:
1) أن يرويه عدد كثير، لا يقل عن 10 أشخاص.
2) أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
3) أن تحيل العادة تواطؤهم واتفاقهم على الكذب.
حكمه: يفيد العلم القطعي اليقيني، ويجب العمل به (مثله مثل القرآن)
أقسامه:أ- متواتر لفظي : وهو ما تواتر لفظه ومعناه.
مثاله: قول النبي ﷺ: “من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده في النار” رواه بضعة وسبعون صحابيًا، ورواه عنهم مثلهم.
ب- متواتر معنوي: وهو الذي تواتر معناه دون لفظه.
مثال: أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد عن النبي ﷺ نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، لكن هذه الأحاديث وردت في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك بينهما – وهو الرفع عند الدعاء- تواتر باعتبار مجموع الطرق.
2- حديث الآحاد:
تعريفه: هو ما لم يبلغ في كثرة روايته حد المتواتر ولو في طبقة واحدة.
حكمه: أحاديث الآحاد: يكون منها الصحيح فيجب العمل به (وإن كان يفيد الظن لا القطع) ومنها غير الصحيح فيرد ولا يعمل به.
أقسامه:أ- المشهور: وهو الذي يرويه جماعة (ثلاثة فأكثر) في كل طبقة من طبقاته ولا يبلغ حد التواتر.
مثاله: حديث النبي ﷺ: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه، ولكن يقبضه بموت العلماء..”.
ب- العزيز: وهو الذي يرويه اثنان عن اثنين في كل طبقات السند (كلام الثاني يعزز كلام الأول)
مثاله: حديث: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.
ج- الغريب: وهو الذي ينفرد بروايته راوٍ واحد، في كل طبقات السند أو في بعضها في طبقة واحدة.
مثاله: حديث أنس (أن النبي ﷺ دخل مكة وعلى رأسه المغفر)، فقد تفرد به مالك عن الزهري.
النوع الثاني: الحديث باعتبار قوته وضعفه:-
ونعني به الحديث من حديث قبوله وصحته من عدم قبوله وضعفه، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:-
الأول: الخبر المقبول: وهو قسمان:
أولا- الصحيح:-
تعريفه: هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة قادحة.
شروطه:
1) اتصال السند أي أن كل راوٍ من رواته قد أخذه مباشرة عمن فوقه من أول السند إلى آخره.
2) عدالة الرواة: أي أن كل راوٍ من رواته اتصف بكونه مسلمًا عاقلاً بالغًا غير فاسق.
3) ضبط الرواة: أي أن كل راوٍ من رواته كان تام الضبط والحفظ، فلا يخطئ أو يلتبس فيه نص الحديث أو تسلسل رواته.
4) عدم الشذوذ: أي ألا يكون الحديث شاذًا، والشذوذ: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه كأن يأتي الراوي الثقة برواية تخالف رواية من هو أوثق منه في العدالة والضبط. (راجع الحديث الشاذ في قسم الحديث المردود بسبب طعن في الراوي).
5) عدم العلة: أي ألا يكون الحديث معلولاً، والعلة: سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر السلامة منه. (راجع الحديث المعلل في قسم الحديث المردود بسبب طعن في الراوي).
حكمه: يجب العمل به.
أقسامه:1- الصحيح لذاته: وتعريفه هو تعريف الصحيح السابق.
مثاله: ما أخرجه البخاري في صحيحه. قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ قرأ في المغرب بالطور).
فهذا الحديث صحيح، لأن: أ- سنده متصل إذ أن كل راو من رواته سمعه من شيخه.
ب،ج- رواته عدول ضابطون: فعبد الله بن يوسف: ثقة متقن، ومالك بن أنس إمام حافظ، وابن شهاب الزهري: فقيه حافظ متفق على جلالته وإتقانه، ومحمد بن جبير: ثقة، وجبير بن مطعم: صحابي.
ء- غير شاذ: إذ لم يعارضه ما هو أقوى منه.
هـ- ليس فيه علة من العلل.
2- الصحيح لغيره: وهو الحديث الحسن لذاته إذا روي من طريق آخر (أو أكثر من طريق) مثله.
مثاله: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”، فمحمد بن عمرو من المشهورين بالصدق، لكنه لم يكن من أهل الإتقان في الحفظ، إلا أن هذا الحديث قد روي من طرق أخرى، فهذه الطرق وثقت هذه الطريقة ورفعت الحديث من رتبة الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.
ثانيا- الحسن:-
تعريفه: هو الصحيح إذا خف ضبط راويه، (أي قل ضبطه)
حكمه: هو كالصحيح في الاحتجاج به، وإن كان دونه في القوة.
أقسامه:1- الحسن لذاته: وتعريفه هو تعريف الحسن السابق.
مثاله: ما أخرجه الترمذي قال: (حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان الضبيعي عن أبي عمران الجوفي عن أبي بكر عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي بحضرة العدو- أي أمام العدو في القتال- يقول: قال رسول الله ﷺ:”إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف”)، فهذا الحديث حسن لأن رجال إسناده ثقات إلا جعفر بن سليمان الضبيعي فإنه صدوق وضبطه أقل منهم، فنزل بالحديث من مرتبة الصحيح إلى الحسن.
2- الحسن لغيره: وهو الضعيف إذا تعددت طرقه، بشرط ألا يكون سبب الضعف فسق الراوي أو كذبه.
مثاله: ما رواه شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين – أي كان مهرها نعلين – فقال رسول الله ﷺ: “أرضيت من نفسك ومالك بنعلين”؟ قالت: نعم، فأجاز. أي أجاز النبي الزواج، فعاصم ضعيف لسوء حفظه، ولكن الحديث جاء عن طرق أخرى، فارتفع به عن مرتبة الضعيف إلى الحسن لغيره.
الثاني: الخبر المردود: وهو قسم واحد هو الضعيف ويندرج تحته عدة أنواع:
ثالثا- الضعيف:-
تعريفه: هو الذي فقط شرطًا أو أكثر من شروط الصحيح أو الحسن.
مثاله: ما أخرجه الترمذي عن طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: “من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد”، قال الترمذي بعد إخراجه: (لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة)، ثم قال: (وضعف محمد –أي البخاري- هذا الحديث من قبل إسناده)، لأن فيه حكيم الأثرم، وقد ضعفه العلماء.
حكمه: لا يجوز العمل به في العقائد أو فيما يتعلق بالحلال والحرام، واستحب البعض العمل به في فضائل الأعمال فقط شروطه:
1) أن يكون الضعف غير شديد.
2) أن يندرج الحديث تحت أصل معمول به كتلاوة القرآن والدعاء.
3) أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته.
أقسامه:
1) المردود لفقد اتصال السند.
2) المرود للطعن في الراوي من جهة عدالته وضبطه.
القسم الأول: المردود لفقد اتصال السند: وهو خمسة أنواع:-
المعلق – المرسل – المعضل – المنقطع – المدلس
أ- المعَلَّق: وهو ما حذف من مبدأ إسناده راوٍ فأكثر على التوالي.
مثاله: ما أخرجه البخاري في مقدمة باب ما يذكر في الفخذ: (وقال أبو موسى: غطى النبي ﷺ ركبتيه حين دخل عثمان)، فهذا الحديث معلق لأن البخاري حذف جميع إسناده إلا الصحابي وهو أبو موسى الأشعري.
ب- المرسَل : وهو ما سقط من سلسلة سنده الصحابي.
مثاله: ما أخرجه مسلم قال: (حدثني محمد بن رافع، حدثنا حجين، حدثنا الليث، عن عقيل، عن أبن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ﷺ نهى عن المزابنة”، فسعيد بن المسبب تابعي يروي هذا الحديث عن النبي ﷺ بدون أن يذكر الواسطة بينه وبين النبي ﷺ، فقد سقط من إسناد هذا الحديث آخره وهو الصحابي.
حكمه: المرسل في الأصل ضعيف مردود، لفقده شرطًا من شروط القبول وهو اتصال السند، ولكن العلماء اختلفوا في حكم المرسل والاحتجاج به، لأن هذا النوع من الانقطاع يختلف عن أي انقطاع آخر في السند، لأن الساقط منه غالبًا ما يكون صحابيًا، والصحابة كلهم عدول، لا تضر عدم معرفتهم. ومجمل أقوال العلماء في المرسل ثلاثة أقوال:-
القول الأول: هو ضعيف مردود، وهو رأي الجمهور، وحجتهم هو الجهل بحال الراوي المحذوف لاحتمال أن يكون غير صحابي.
القول الثاني: هو صحيح يحتج به بشرط أن يكون المرسل ثقة ولا يرسل إلا عن ثقة، وحجتهم أن التابعي ثقة لا يستحل أن يقول قال رسول اله ﷺ، إلا إذا سمعه من ثقة.
القول الثالث: هو صحيح بشروط أربعة، ثلاثة في الراوي المرسِل، وواحد في الحديث المرسَل:
1) أن يكون المرسِل من كبار التابعين.
2) إذا سمى المرسِل من أرسل عنه سمى ثقة.
3) إذا شاركه الحفاظ المأمونون ولم يخالفوه.
4) ينضم إلى هذه الشروط الثلاثة، شرط في الحديث وهو واحد مما يلي:-
أ) أن يروى الحديث من وجه آخر مسندًا.
ب) أو يروى من وجه آخر مرسلاً أرسله من طريق آخر.
ج) أو يوافق قول صحابي.
ء) أو يفتي بمقتضاه أكثر أهل العلم.
وأما مرسل الصحابي، وهو ما أخبر به الصحابي عن قول الرسول ﷺ أو فعله، ولم يسمعه أو يشاهده، إما لصغر سنه أو تأخر إسلامه أو غيابه، فالصحيح أنه صحيح محتج به، لأن رواية الصحابة عن التابعين نادرة، وإذا رووا عنهم بينوها، فإذا لم يبينوا، وقالوا: قال رسول الله، فالأصل أنهم سمعوها من صحابي آخر، وحذف الصحابي لا يضر.
ج- المعضل : وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي.
مثاله: ما رواه الحاكم عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: “للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق”، فهذا الحديث معضل لأنه سقط منه اثنان متواليان بين مالك وأبي هريرة، إذ ورد الحديث عن طريق آخر عن مالك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة.
ء- المنقطع: وهو ما لم يتصل إسناده، على أي وجه كان انقطاعه، مما لا يشمله المرسل أو المعلق أو المعضل.
فالمنقطع اسم عام لكل انقطاع في السند ما عدا صورًا ثلاثًا من صور الانقطاع، وهي:-
حذف أول الإسناد (المعلق)، أو حذف آخره (المرسل)، أو حذف اثنين متواليين من أي مكان كان(المعضل).
مثاله: ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعًا إلى النبي ﷺ: “إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين”، فقد سقط من هذا الإسناد رجل من وسطه هو “شريك” سقط من بين الثوري وأبي إسحاق، إذ أن الثوري لم يسمع الحديث عن أبي إسحاق مباشرة، وإنما سمعه من شريك، وشريك سمعه من أبي إسحاق.
هـ- المدلَّس : وهو إخفاء عيب في الإسناد تحسينًا لظاهرة.
أقسامه:
1- تدليس الإسناد: وهو أن يروي الراوي عمن قد سمع منه ما لم يسمع منه منغير أن يذكر أنه سمعه منه.
فتدليس الإسناد أن يروى الراوي عن شيخ قد سمع منه بعض الأحاديث، لكن هذا الحديث الذي دلسه لم يسمعه منه وإنما سمعه من شيخ آخر عنه، فيسقط ذلك الشيخ، ويرويه عنه بلفظ محتمل للسماع وغيره كـ “قال” أو “عن” ليوهم غيره أنه سمعه منه، لكن لا يصرح بأنه سمع منه هذا الحديث، فلا يقول: “سمعت” أو “حدثني” حتى لا يصير كذابًا بذلك.
مثاله: ما أخرجه الحاكم بسنده إلى علي بن خشرم قال: (قال لنا ابن عينية: عن الزهري، قيل له: سمعته عن الزهري، فقال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري)، فاسقط ابن عيينة اثنين بينه وبين الزهري.
2- تدليس التسوية: وهو رواية الراوي عن شيخه ثم إسقاط راوٍ ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر.
فتدليس التسوية أن يروي الراوي حديثًا عن شيخ ثقة، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة، ويكون الثقتان قد لقي أحدهما الآخر، فيأتي المدلِّس الذي سمع الحديث من الثقة الأول، فيسقط الضعيف الذي في السند، ويجعل الإسناد عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيسوي الإسناد كله ثقات.
مثاله: ما رواه اسحاق بن راوية عن بقية بن الوليد قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر حديث: “لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه”، فهذا الحديث رواة أبو وهب (عبيد الله بن عمرو) الأسدي (وهو ثقة) عن إسحاق بن أي فروة (وهو ضعيف) عن نافع (وهو ثقة) عن ابن عمر، فبقية ذكر عبيد الله بن عمرو بالكنية (أبو وهب) ونسبه إلى قبيلته (بني أسد) كي لا يفطن له، حتى إذا ترك اسحاق بن أبي فروة (الضعيف) لا يهتدى إليه.
3- تدليس الشيوخ: وهو أن يروي الراوي عن شيخ حديثًا سمعه منه، فيسميه أو يكنيه. أو ينسبه أو يصفه بما لا يُعرَف به، كي لا يُعرَف.
مثاله: قول أبي بكر بن مجاهد: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، يريد به أبا بكر بن أبي داود السجستاني، فهنا سماه بعبد الله – وكل الناس عبيد لله- حتى لا يُعرَف.
القسم الثاني: المردود بسبب طعن في الراوي: وهو عشرة أنواع:
الموضوع – المتروك – المنكر – المعلل – المدرج – المقلوب- المزيد في متصل الأسانيد – المضطرب – المصحف – الشاذ.
أ- الموضوع: وهو الكذب المختلق المنسوب إلى رسول الله ﷺ.
مثاله: دخل غياث بن إبراهيم النخعي على الخليفة المهدي فوجده يلعب بالحمام، فساق بسنده إلى النبي ﷺ أنه قال: “لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح” فزاد كلمة “جناح” لأجل المهدي، فعرف المهدي ذلك ، فأمر بذبح الحمام، وقال: أنا حملته على ذلك.
فنص الحديث الصحيح: “لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر”، فزاد غياث كلمة “جناح” تقربًا إلى الحاكم لأنه يلعب بالحمام.
حكمه: أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته – في أي معنى كان- لأحد علم أنه موضوع إلا مع بيان وضعه، وهو شر الأحاديث الضعيفة وأقبحها.
ب- المتروك: وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ متهم بالكذب.
مثاله: حديث عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار قالا: كان النبي ﷺ يقنت في الفجر ويكبِّر يوم عرفة من صلاة الغداة، ويقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق.
قال النسائي والدارقطني وغيرهما: عمرو بن شمر “متروك الحديث”
ج- المنكَر: وهو الذي تفرد في إسناده راوٍ فحش غلطة أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه.
مثاله: حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس: “كلوا البلح بالتمر، فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان”، وهو منكر لأن أبا زكير تفرد به وهو شيخ صالح، إلا أنه لم يبلغ مبلغ من يقبل تفرده لغفلته.
د- المعلَّل: وهو الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منه، والعلة قد تكون في الإسناد –وهو الأكثر- وقد تكون في المتن -وهو الأقل-.
مثاله: مثل العلة في السند: ما رواه عاصم عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: “أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإن لكل أمة أمينًا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة”.
فالحديث من “أرحم أمتي أبو بكر” إلى “وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل” مرسل عن أبي قلابة عن رسول الله ﷺ وليس فيه أنس، أما بقية الحديث وهي “وإن لكل أمة أمينًا” فإنها متصلة السند عن أنس، فالإرسال هنا علة خفية في إسناد الحديث.
مثل العلة في المتن: حيث أنس في مسلم: (صليت خلف النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها). وأصل الحديث في كتب الحديث بلفظ البخاري (بالحمد لله رب العالمين)، فرواية مسلم التي فيها (لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم) رواية بالمعنى الذي وقع لمسلم، ففَهم من قول أنس (كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين) أنهم كانوا لا يبسملون، فرواه على ما فهم، وأخطأ لأن معنى الحديث أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة، وليس فيه تعرض لذكر البسملة فهذه الزيادة في المتن علة خفية في الحديث.
هـ- المدْرَج : وهو ما غُيِّر سياق إسناده، أو أُدْخِل في متنه ما ليس منه بلا فصل.
مثاله: في السند: قصة ثابت بن موسى الزاهد في روايته: “من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار” وأصل القصة أن ثابت بن موسى دخل على شريك بن عبد الله القاضي وهو يملي ويقول: (حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ) وسكت، فلما نظر إلى ثابت قال)من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)، قصد بذلك ثابتا لزهده وورعه، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد، فكان يحدث به، فهنا تغيير في إسناد الحديث إلى متن آخر، فأدرج إسنادًا لمتن ليس له.
في المتن: حديث أبي هريرة:”أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار”، فقول: (أسبغوا الوضوء) مدرج وهو من كلام أبي هريرة، وأصل الحديث كما في البخاري عن أبي هريرة قال:(أسبغوا الوضوء، فأن أبا القاسم ﷺ قال: “ويل للأعقاب من النار”).
و-المقلوب: وهو إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه: بتقديم أو تأخير ونحوه.
مثاله: في السند: ما رواه حماد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: “إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام”، فهذا الحديث مقلوب، قلبه حماد فجعله عن الأعمش وإنما هو معروف عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
في المتن: حديث أبي هريرة في مسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيه: “ورجل تصدق بصدقه فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، فهذا مما انقلب على بعض الرواة، ونص الحديث كما في البخاري وغيره: “حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.
ز- المزيد في متَّصِل الأسانيد: وهو زيادة راوٍ في سندٍ ظاهره الاتصال.
مثاله: ما روى ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد حدثني بسر ابن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس قال: سمعت واثلة يقول: سمعت أبا مرثد يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها” فهذا الحديث فيه خطأ ممن روى عن ابن المبارك إذ زاد فيه سفيان، بينما روى الحديث عدد من الثقات، عن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد، دون ذكر سفيان.
ح- المضطرِّب: وهو ما روي من أوجه مختلفة متساوية في القوة، ولا يمكن التوفيق بينها.
مثاله: في السند: حديث أبي بكر أنه قال:( يا رسول الله أراك شبت، فقال ﷺ “شيبتني هود وأخواتها”)، فهذا الحديث مضطرب لأنه لم يرد إلا من طريق أبي إسحاق، وقد اختلف عليه فيه على نحو عشرة أوجه، فمنهم من رواه مرسلا، ومنهم من رواه موصولا، ومنه من جعله من مسند أبي بكر، ومنهم من جعله عن مسند عائشة، وغير ذلك، ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض، والجمع متعذر.
في المتن: ما رواه الترمذي من حديث فاطمة بنت قيس قال: (سئل رسول الله ﷺ عن الزكاة، فقال: “إن في المال لحقا سوى الزكاة” ورواه بن ماجه من هذا الإسناد بلفظ:”ليس من المال حق سوى الزكاة”، فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل.
ط- المصحَّف : وهو تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظا أو معنى.
مثاله: في السند: حديث شعبة عن العوام بن مراجم، صحّفة ابن معين فقال: عن العوام بن مزاحم.
في المتن: حديث: “من صام رمضان وأتبعها ستا من شوال” صحفه أبو بكر الصولي قال: وأتبعها “شيئا” من شوال.
ى- الشاذ: وهو ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه.
أي أن يروي عدل تم ضبطه أو خف، حديثا مخالفا في روايته لمن هو أرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من الترجيحات.
مثاله: في السند: ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن طريق ابن عيينة عن عمر بن دينار عن عوجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله ﷺ ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعقته. وقد وافق ابن عيينة في وصل الحديث ابن جريح وغيره، ولكن حماد بن زيد –وهو من أهل العدالة والضبط- خالفهم فرواه عن عمرو بن دينار عن عوجة، ولم يذكر اسم ابن بعاس، فرجحت رواية من هم أكثر منه عددًا.
في المتن: ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبى هريرة مرفوعًا: “إذا صلى أحدكم الفجر فليضطجع عن يمينه” فخالف عبد الواحد –وهو ثقة- العدد الكثير من الرواة الثقات، إذ انهم رووه من فعل النبي ﷺ لا من قوله، وانفرد عبد الواحد من بين الثقات بهذا اللفظ.
الثالث- الخبر المشترك بين المقبول والمردود: وهو أربعة أقسام:-
أولا- القدسي:
تعريفه: هو ما نُقِل إلينا عن النبي ﷺ مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل.
مثاله: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي ﷺ فيما يروي عن الله تعالى أنه قال: “يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا…
الفرق بينه وبين القرآن: هناك فروق كثيرة أشهرها:
1- القرآن لفظه ومعناه من الله تعالى، أما الحديث القدسي فمعناه من الله تعالى، ولفظه من عند النبي ﷺ.
2- القرآن يتعبد بتلاوته، أما الحديث القدسي فلا يتعبد بتلاوته.
3- القرآن يشترط في ثبوته التواتر، أما الحديث القدسي فلا يشترط في ثبوته التواتر.
ثانيا- المرفوع:
تعريفه: هو ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة. أي هو ما نُسب أو ما أُسند إلى النبي ﷺ سواء أكان هذا المضاف قولاً للنبي ﷺ أو فعلاً أو تقريرًا أو صفة، وسواء أكان المضيف هو الصحابي أو من دونه، متصلاً كان الإسناد أو منقطعًا، فيدخل في المرفوع الموصول والمرسل والمتصل والمنقطع.
أقسامه:
1- المرفوع القولي: ومثاله أن يقول الصحابي أو غيره: (قال رسول الله ﷺ:” كذا…”).
2- المرفوع الفعلي: ومثاله أن يقول الصحابي أو غيره: (فعل رسول الله ﷺ: “كذا..”).
3- المرفوع التقريري: ومثاله أن يقول الصحابي أو غيره: (فُعل بحضرة النبي ﷺ كذا)، ولا يروى إنكاره لذلك الفعل”.
4- المرفوع الوصفي: ومثاله أن يقول الصحابي أو غيره: (كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا).
ثالثا- الموقوف:
تعريفه: هو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير.
أي هو ما نُسب أو أُسند إلى صحابي أو جمع من الصحابة سواء أكان هذا المنسوب إليهم قولاً أو فعلاً أو تقريرًا، وسواء أكان السند إليهم متصلاً، أو منقطعًا.
أقسامه:
1- الموقوف القولي: ومثاله قول الراوي: قال علي بن أبي طالب: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولُه؟).
2- الموقوف الفعلي: ومثاله قول البخاري: (وأَمَّ ابن عباس وهو متيمم).
3- الموقوف التقريري: ومثال قول بعض التابعين مثلاً: ( فعلت كذا أمام أحد الصحابة ولم ينكر عليَّ).
فروع تتعلق بالمرفوع حكمًا: هناك صور من الموقوف في ألفاظها وشكلها، لكن المدقق في حقيقتها يرى أنها في معنى الحديث المرفوع، لذا أطلق عليها العلماء اسم “المرفوع حكمًا” أي أنها من الموقوف لفظًا المرفوع حكمًا.
ومن هذه الصور:
1- أن يقول الصحابي الذي لم يُعرف بالأخذ من أهل الكتاب، قولاً لا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب، مثل:
أ- الإخبار عن الأمور الماضية، كبدء الخلق.
ب- الإخبار عن الأمور الآتية، كالفتن وأحوال يوم القيامة.
ج- الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، كقوله: من فعل كذا فله أجر كذا.
2- أن يفعل الصحابي مالا مجال للاجتهاد فيه، كصلاة علي رضي الله عنه صلاة الكسوف، كل ركعة أكثر من ركوعين.
3- أن يخبر الصحابي أنهم كانوا يقولون أو يفعلون كذا، أو لا يرون بأسًا بكذا، وهو نوعان: أ- أن يضيفه إلى زمن النبي ﷺ، كقول جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل على عهد رسول الله ﷺ)، والصحيح أنه مرفوع.
ب- ألا يضيفه إلى زمن النبي ﷺ، كقول جابر رضي الله عنه: (كنا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا)، والصحيح أنه موقوف.
4- أن يقول الصحابي: (أُمرنا بكذا، أو نُهينا عن كذا، أو من السنة كذا)، كقول بعض الصحابة: (أُمرنا أن يُشَفِّع الأذان، ويوتر الإقامة – أي يثني الأذان، ويفرد الإقامة)، وكقول أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا)، وكقول أنس: (من السنة إذا تزوج البكر من الثيب، أقام عندها سبعًا).
5- أن يقول الراوي في الحديث عند ذكر الصحابي بعض هذه الكلمات الأربع، وهي: “يرفعه، أو ينميه، أو يبلغ به، أو رواية”، كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية: “تقاتلون قومًا صغار الأعين”.
6- أن يفسر الصحابي تفسيرًا له تعلق بسبب نزول آية،كقول جابر: (كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى: “نساؤكم حرث لكم..) الآية.
هل يحتج بالموقوف؟: الموقوف – كما عرفت – قد يكون صحيحًا أو حسنًا أو ضعيفًا، لكنه حتى لو ثبتت صحته، فهل يحتج به؟ والجواب: أن الأصل في الموقوف عدم الاحتجاج به، لأنه أقوال وأفعال الصحابة، لكنها إن ثبتت فإنها تقوي بعض الأحاديث الضعيفة، لأن حال الصحابة كان هو العمل بالسنة، وهذا إذا لم يكن له حكم المرفوع، أما إذا كان من الذي له حكم المرفوع فهو حجة كالمرفوع – بشرط صحته-
رابعا- المقطوع:
تعريفه: هو ما أضيف إلى التابعي أو من دونه من قول أو فعل.
أي هو ما نُسب أو أُسند إلى التابعي أو تابع التابعي فمن دونه من قول أو فعل، والمقطوع غير المنقطع، لأن المنقطع من صفات الإسناد، أما المقطوع فمن صفات المتن، أي أن الحديث المقطوع من كلام التابعي فمن دونه، وقد يكون السند متصلاً إلى ذلك التابعي، على حين أن المنقطع يعني أن إسناد ذلك الحديث غير متصل، ولا تعلق له بالمتن.
أقسامه:
1- المقطوع القولي: ومثاله قول الحسن البصري في الصلاة خلف المبتدع: (صلِّ، وعليه بدعته).
2- المقطوع الفعلي: ومثاله قول إبراهيم بن محمد : (كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله، ويقبل على صلاته، ويخليهم ودنياهم).
حكم الاحتجاج به: المقطوع لا يحتج به في شيء من الأحكام الشرعية، ولو صحت نسبته إلى قائله، لأنه قول أو فعل أحد المسلمين، إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على رفعه، كقول بعض الرواة عند ذكر التابعي:”يرفعه” مثلا، فيعتبر حينئذٍ له حكم المرفوع المرسل.