نحتاج حتى نصل إلى الحكم في هذه المسألة إلى بيان أصلين:-
الأصل الأول: حكم تطهير النجاسات بغير الماء.
الأصل الثاني: حكم تطهير النجاسات بغُسالة النجاسة.
أما الأصل الأول فالراجح جواز تطهير النجاسات بكافة أنواع المائعات المزيلة التي فيها قدرة على الإزالة، وهذا مذهب الأحناف، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية. على أن البخار أصله ماء فلا يأتي عليه هذا الإشكال.

وأما الأصل الثاني فالراحج أن الغُسَالة إذا تنجست بالنجاسة فلا تعود صالحة للتطهير، ويعرف تنجسها بتغير طعمها، أو لونها، أو ريحها عما كانت عليه قبل التغير.

وعليه فيوجد حلان حتى يصح التطهير بهذه الغسالات :-
الحل الأول : تطهير الملابس المتنجسة قبل وضعها في الغسَّالة حتى لا تتنجس الغُسَالة.
الحل الثاني:- أن يسمح بإدخال مادة جديدة للغسالة بعد إزالة النجاسة . أي يكون هناك ضخ متلاحق للمادة المزيلة فيضخ البخار شيئا فشيئا.

وتفصيل ذلك على النحو التالي :-
حكم الغسالة :-
يقول الشيخ عبد الرحمن العراقي- في التعليق على حديث الأعرابي الذي بال في المسجد:-
يؤخذ من الحديث أن غسالة النجاسة طاهرة ; لأنها لو كانت نجسة لما جاز إبقاؤها في المسجد مع كونه من المعلوم أن البول قد اختلط بإجزاء الماء ولكن لما حصلت الغلبة للماء بكثرته ووروده بطل حكم النجاسة , وهذا هو الصحيح عند أصحابنا الشافعية بشرط عدم تغيرها وبشرط طهارة المحل , فإن تغيرت كانت نجسة إجماعا , وإن لم يطهر المحل بأن كان في المحل نجاسة عينية كالدم ونحوه فلم يزلها الماء وانفصل عنها , وهي باقية , فإنه نجس أيضا ،وزاد الرافعي شرطا آخر , وهو ألا يزداد وزن الغسالة بعد انفصاله على قدره قبل غسل النجاسة به .انتهى.

وقال النووي الشافعي في المجموع:-

غسالة النجاسة إن انفصلت متغيرة الطعم أو اللون أو الريح بالنجاسة فهي نجسة بالإجماع والمحل المغسول باق على نجاسته . وإن لم يتغير فإن كانت قلتين . فطاهرة بلا خلاف ومطهرة على المذهب ( أي الشافعي ). انتهى.

وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني:-
المنفصل من غسالة النجاسة , ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
– أحدها : أن ينفصل متغيرا بها , فهو نجس إجماعا ; لأنه متغير بالنجاسة , فكان نجسا , كما لو وردت عليه .
– الثاني : أن ينفصل غير متغير قبل طهارة المحل , فهو نجس أيضا ; لأنه ماء يسير لاقى نجاسة لم يطهرها , فكان نجسا , كالمتغير , وكالباقي في المحل , فإن الباقي في المحل نجس , وهو جزء من الماء الذي غسلت به النجاسة , ولأنه كان في المحل نجسا , وعصره لا يجعله طاهرا .
– الثالث : أن ينفصل غير متغير من الغسلة التي طهرت المحل , ففيه وجهان:

أصحهما أنه طاهر . وهو قول الشافعي لأنه جزء من المتصل , والمتصل طاهر , فكذلك المنفصل , ولأنه ماء أزال حكم النجاسة , ولم يتغير بها , فكان طاهرا , كالمنفصل من الأرض .
والثاني , هو نجس . وهو قول أبي حنيفة ; لأنه ماء يسير لاقى نجاسة , فنجس بها , كما لو وردت عليه , وإذا حكمنا بطهارته , فهل يكون طهورا ؟ على وجهين :

1 – يكون طهورا ; لأن الأصل طهوريته , ولأن الحادث فيه لم ينجسه , ولم يغيره , فلم تزل طهوريته , كما لو غسل به ثوبا طاهرا .

2 – أنه غير مطهر , لأنه أزال مانعا من الصلاة , أشبه ما رفع به الحدث .

وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

فإذا كان الحديث حديث بئر بضاعة أثبت أن الماء طهور لا ينجسه شيء، فقد أثبت الإجماع المستيقن من كل فقهاء الأمة ومذاهبها: أن الماء إذا تغير بالنجاسة، لم يعد طاهرا ولا مطهرا.
وقد روى الدارقطني من حديث ثوبان مرفوعا: ” الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو لونه أو طعمه ” وروى ابن ماجه والطبراني نحوه من حديث أبي أمامة، وقد اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف هذه الزيادة، وأنها لا يحتج بها، فالمعول عليه هنا هو: الإجماع.
والمذهب الذي نرجحه هنا: أنه لا فرق بين قليل الماء وكثيره.انتهى.

فدلت هذه النقول السابقة على أن الغُسَالة تصير نجسة إجماعا إذا انفصلت متغيرة بالنجاسة سواء أكان التغير في اللون أو الطعم أو الرائحة .
وأما عن إزالة النجاسة بغير الماء فالجمهور على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء، ولكن في المذهب الحنفي متسع حيث يجيز المذهب الحنفي إزالة النجاسة بكل مائع فيه القدرة على الإزالة، ورجح هذا المذهب الإمام الشوكاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:-

الراجح في هذه المسألة: أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها، فإن الحكم إذا ثبت بالعلة زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة، لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها.