أعتنى الإسلام بالطفولة وأولى تنشئتهم أهمية كبرى فهم أمل الأمة ومستقبلها.

يقول فضيلة الشيخ” أحمد الشرباصي “رحمه الله:

الأحداث ” هم أولئك البراعم الجديدة المُتفتحة في حديقة الحياة وروضة الأيام، وهم الذين يمثلون الذرية الغالية العزيزة التي هي فلذات الأكباد وثمرات القلوب. والإسلام يُعدُّ الذرية الصالحة نعمةً كبيرة، يمن الله بها على عباده،
ولهذا نجد القرآن الكريم يعد الولد بشرى من البشريات التي تستحق أن تخلد وتمجد، فنراه يقول: ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) (مريم: 7 ).

ويقول القرآن عن الذُّرية على لسان الأخيار الأبرار من عباد الرحمن: ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) ( الفرقان: 74) . ولن تكون هذه الذرية قرة أعين إذا كانت مريضة أو فقيرة أو جاهلة مُشَرَّدة، وإنما تكون قُرة أعين حقًّا وصدقًا إذا كانت مرعية مصونة، موفورة الكرامة والسعادة، وقد أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ الإنسان بأن يحفظ أهله ويصونهم، ومن بينهم الأولاد، فيقول القرآن الكريم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) ( التحريم: 6). وقال المفسرون: إن الوقاية هنا تكون بالتعليم والتأديب والرعاية، وحسن الإشراف والتوجيه.

ولذلك قال الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ” ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَل مِن أَدَبٍ حَسَن “، أي ما أهدى إليه أحسن من تعويده فضائل الآداب، ومكارم الأخلاق ومَحَامَد الشِّيَم، وفي حديث آخر قال الرسول: ” لأن يُؤَدِّب أحدُكم وَلَدَه خيرٌ له مِن أن يتصدَّق كُل يوم بنصف صاع على المساكين“.

هل الإسلام يدعوا إلى رعاية الأطفال:

الإسلام يحُثُّ على رعاية الأحداث، وحُسن معاملة الأطفال، والرحمة بالناشئة، ومما يدل على ذلك أن الحسن بن علي دخل على رسول الله ، وهو صغير، فَقَبَّلَه الرسول، وكان عند الرسول رجل اسمه الأقرع بن حَابِس فقال: إنَّ لي عشرةً من الأولاد ما قَبَّلْتُ منهم أحدًا. فقال الرسول: مَن لا يَرْحَمْ لَا يَرْحمه الله. وقدِمَ بعض الأعراب على النبي فقالوا للرسول: أَتُقَبِّلُون صبيانكم ؟. قال النبي: نعم. فقالوا: لكنا والله ما نُقَبِّلُهم. فقال الرسول: ” وما أملك إن كان الله نَزَعَ مِن قُلُوبِكُمُ الرحمة ” ؟.
-ومن رعاية الإسلام للأحداث والناشئة أنه يُوجِّه آباءهم وأولياء أمورهم إلى العناية بهم في كل شيء، سواء أكان ذلك مُتعلقًا بالمظهر أو المَخْبَر، حتى إن الإسلام يأمر الإنسان بأن يُحسن اختيار اسم ولده، فقد قال بعض الصحابة لرسول الله : يا رسول الله، قد عَلِمْنَا حَقَّ الْوَالِد، فَمَا هو حقُّ الولد ؟.
فأجابه قائلًا: يُحسن والده اسمه، ويُحْسِن أَدَبَه.
ولقد جاء رجل إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال له: يا رسول الله، وُلِدَ لِي مَوْلُود، فما خير الأسماء؟. فقال: “خير أسمائكم الحارث وهمام، ونعم الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وتسموا بأسماء الأنبياء”.

-وفي حديث نبوي آخر: من وُلِدَ له وَلَدٌ فليُحْسِنِ اسمه وأدَبَه، فإِذَا بَلَغَ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثمًا فإثمه على أبيه” ، وهذا معناه أن الكبير يتحمل تَبِعَة الزلل الذي يقع من الْحَدِث الصغير، ما دام لم يُعطه من العناية والرعاية ما هو له أهل، وبه جدير.

حكم ترك الأولاد بدون رعاية:

الإمام العظيم ابن القيم يقول في كتابه ” تُحفة الودود بأحكام المولود ” هذه العبارة: ” مَنْ أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَلِ الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدِّين وسُننه، فأضاعوها صِغارًا، فلم ينفعوا أنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كِبارًا “.

كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: ” يا أبت إنك عَقَقْتني صغيرًا، فعققتك كبيرا وأضعتني صغيرًا، فأضعتك شيخًا “.

رعاية الأطفال ذكور وإناث:

الرعاية للأحداث في الإسلام تشمل الذَّكر والأنْثَى، ولقد حَرَّمَ الإسلامُ تحريمًا قاطعًا تلك الصورة البشعة التي كانت موجودة قبل الإسلام في زمن الجاهلية، وهى كراهية البنت، وتفضيل الذكر عليها، والعمل على التخلص منها، فيقول القرآن المجيد واصفًا هذه الجريمة ” ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِه، أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ( النحل 58 ـ59) . وقال القرآن أيضًا: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ( وهو البنات ) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) ( الزخرف 17 ). وقال: ( وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ )؟ ( التكوير 8 ،9) .

وقد أخبر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن الذي يرزقه الله تعالى ببنتين ، فيُحسن رعايتهما وتربيتهما، كان قريبًا من مكان الرسول في الجنة، وكذلك أخبرنا بأن من رُزق ببنات فأحسن إليهن كُنَّ له سِترًا مِنَ النار. ولمَّا رُزِقَ ـ عليه الصلاة والسلام ـ بابنته السيدة فاطمة ، هَشَّ لهَا وَبَشَّ، وفرح بها وقال عنها: ” رَيْحَانة أَشُمُّها ورِزْقُهَا على الله ” .

ويتصل بهذا أن الإسلام أمر بالعدل بين الأولاد جميعًا، وحذَّر من التفرقة في المعاملة بينهم، فقال الحديث النبوي: ” اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم “. وقد كَرَّر الأمر للتأكيد والتأييد.

ولمَّا حاول بعض المسلمين أن يجعل الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يشهد على شئ خَصَّ به بعض أبنائه دون الباقين، رفض الرسول ذلك، وغَضِبَ منه،.وقال: ” لا تُشهدوني على جَوْر، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدلَ بينهم “. وفي حديث ثالث يقول الرسول: ” اتقوا الله واعْدِلوا بين أولادكم “.

والعدل ينبغي أن يكون في كل شئ؛ لأن التفرقة ـ حتى في الأمر السريع كالضَّمَّة أو الْقُبْلَة ـ يُعَدُّ ظُلمًا، ولقد رأى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ رجلًا أقبل عليه ابنه فقبَّله وحمله، .وأجلسه في حجره، ثم جاءت إليه ابنته فأجلسها إلى جانبه، فلامه النبي على ذلك قائلًا: ” ما عَدَلْتَ بينهما “.

عناية الإسلام بالطفولة:

من الشواهد الواضحة على عناية الإسلام برعاية الأحداث أننا نجد الأئمة الأعلام من رجاله وفقهائه، يُعْنَوْنَ بالحديث عن تفاصيل العناية بالأطفال والأحداث، وهذا مثلًا واحد منهم: وهو الإمام ابن قيم الجوزية يهتم بحديث طويل عن واجبات الوالد نحو ابنه الحدث، ومن هذا الحديث نقطف هذه العبارات التالية، فهو يقول مثلًا: ” وينبغي ألا يُهمل أمر قِماطه ورِبَاطِه ولو شقَّ عليه، إلى أن تقوى أعضاؤه، ويُصْلَب بدنه، ويجلس على الأرض، فحينئذٍ يمرن ويدرب على الحركة، والقيام قليلًا قليلًا، إلى أن يصير له مَلَكَة وقوة يفعل ذلك بنفسه، وينبغي أن يُوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة، والمناظر الفظيعة، والحركات المفزعة، فإن ذلك رُبَّما أدى إلى إفساد قوته العاقلة لضعفها، فلا ينتفع بها بعد كِبره، فإذا عرض له عارض من تلك فينبغي المُبادرة إلى تلافيه بضده، وإيناسه بما يُنسيه إياه، وأن يلقم ثديه في
الحال، ويُسارع إلى رضاعه، ليزول عنه حفظ ذلك المزعج له، ولا يرتسم في قوته الحافظة فيعسر زواله، ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة، إلى أن ينام فينسى ذلك، ولا يُهمل هذا الأمر، فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه، فينشأ على ذلك ويعسر زواله “.
ويقول أيضًا: ” وينبغي للمُرضع إذا أرادت فِطامه أن تفطمه على التدريج، ولا تُفاجئه بالفِطام وَهْلَةً واحدة ،بل تُعوِّده إيَّاه وتمرنه عليه، لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة مرة واحدة، كما قال بُقْراط في فصوله: استعمال الكثير بغتة ممَّا يملأ البدن أو يستفرغه، أو يسخنه، أو يبرده ، أو يحركه بنوع آخر من الحركة، أي نوع كان فهو خطر، وكل ما كان كثيرًا فهو مُعادٍ للطبيعة، وكل ما كان قليلًا فهو مأمون “.

ويقول أيضًا: ” وليحذر كل الحَذَر مِن تمكينه من تناول ما يُزيل عقله مِن سُكْر وغيره، أو عِشْرَة مَن يخشى فساده أو كلامه له أو الأخذ من يده، فإن ذلك فيه الهلاك كله”.

ويقول أيضًا: ” وينبغي أن يتأمل حال الصَّبي، وما هو مُستعد له من الأعمال، ومُهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره مما كان مأذونًا فيه شرعًا، فإنه إن حَمَله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، فإنه ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيًا، فهذا من علامة قبوله وتهيؤه للعلم، فلينقشه في لوح قلبه ما دام خاليًا، فإنه يتمكن فيه، ويستقر ويزكو معه، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه، وهو مستعد للفروسية وأسبابها، من الركوب واللعب بالرُّمح، وأنه لا فهم له في العلم، مَكَنَّهُ من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين.

وإن رآه بخلاف ذلك، وأنه لم يُخلق لذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعدًّا لها مُقْبِلًا عليها، وهى صناعة مُباحة نافعة للناس، فليُمِكنه منها. هذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه”.

هذا، ولقد عُنِيَ الإسلام برعاية اليتامى، ومَن في حُكمهم من الأحداث الذين لا يجدون راعيًا ولا مُعينًا، فقال القرآن مُحَرِّضًا على حُْسِن مُعاملة الأحداث: ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ، فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) ( النساء: 9 ). وحثَّ رسول الله ـ ـ على رعاية اليتيم حتى يكبُر فقال: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ” ، وأشار بإصبعيه السَّبَّابة والْوُسْطَى.
وهكذا نرى أن الإسلام حثَّ على رعاية الأحداث، والعناية بالناشئة، حتى تكون ذُرية صالحة بعضها من بعض، والله سميع عليم.