عموم البلوى هي الحالة التي تكثر في الناس ويصعب الاحتراز منها ، وكان الأصل فيها الحظر ، فانقلب للإباحة لعموم البلوى ، وأمثلته في الفقه كثيرة جدا . 

ما المراد بعموم البلوى وأثرها في الفقه:

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : 

المراد بعموم البلوى : الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيرا من الناس ويتعذر الاحتراز عنها ، وعبر عنه بعض الفقهاء بالضرورة العامة وبعضهم بالضرورة الماسة ، أو حاجة الناس . وفسره الأصوليون بما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال . وقد بنى الفقهاء والأصوليون على عموم البلوى أحكاما فقهية وأصولية في مختلف الأبواب والمسائل ، فمن القواعد العامة في الفقه الإسلامي أن المشقة تجلب التيسير ، وإذا ضاق الأمر اتسع . قال الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال  { بعثت بالحنيفية السمحة } ويتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته . 

وقد ذكر الفقهاء أسباب التخفيف من المرض والسفر والإكراه والنسيان والجهل والعسر وعموم البلوى ونحوها ، وبينوا أثرها في مختلف الأحكام والمسائل الفقهية . 

ومن الرخص التي شرعت بسبب العسر وعموم البلوى ما ذكره السيوطي وابن نجيم من جواز الصلاة مع النجاسة المعفو عنها ، كدم القروح والدمامل والبراغيث ، وطين الشارع وذرق الطيور إذا عم في المساجد ، وما لا نفس له سائلة ، وأثر نجاسة عسر زواله وقليل الدخان النجس وأمثالها ، وهي كثيرة مفصلة في كتب الفقه .

ومن هذا القبيل ما ذكره الحنفية من العفو عن بول الشخص أو بول غيره الذي انتضح على ثيابه إذا كان قليلا ، قال ابن عابدين : والعلة الضرورة قياسا على ما عمت به البلوى مما على أرجل الذباب، فإنه يقع على النجاسة ثم يقع على الثياب ، ومثله الدم على ثياب القصاب ، فإن في التحرز عنه حرجا ظاهرا – ومن الأحكام المبنية على عموم البلوى طهارة الخف والنعل بالدلك على الأرض ونحوها من الأشياء الطاهرة ، كما ذكره بعض الفقهاء ، قال التمرتاشي : ويطهر خف ونحوه ، كنعل تنجس بذي جرم بدلك ، قال ابن عابدين : وإن كان رطبا على قول أبي يوسف . وهو الأصح المختار ، وعليه الفتوى لعموم البلوى . ولعموم حديث أبي داود : { إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه ، وليصل فيهما } . 

وذكر السيوطي من الأحكام المبنية على عموم البلوى في غير العبادات : جواز أكل الميتة ومال الغير مع ضمان الضرر إذا اضطر . وأكل الولي من مال اليتيم بقدر أجرة عمله إذا احتاج ، ومشروعية الرد بالخيارات في البيع . وكذلك مشروعية العقود الجائزة ( غير اللازمة ) لأن لزومها يشق ، كما ذكر منها إباحة النظر للخطبة والتعليم والإشهاد والمعاملة والمعالجة ونحوها ومن المسائل التي بناها الحنفية على عموم البلوى جواز إجارة القناة والنهر مع الماء ، قال الحنفية : جاز إجارة القناة والنهر أي مجرى الماء مع الماء تبعا ، به يفتى لعموم البلوى .

لكن المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه ، وكذلك البلوى كما صرح به الحنفية ، قال ابن نجيم : لا اعتبار عند أبي حنيفة بالبلوى في موضع النص ، كما في بول الآدمي ، فإن البلوى فيه أعم . 

من الأسباب التي تجلب التيسير في الفتوى:

وفي الأسباب التي تجلب التيسير في الفتوى ذكر العلماء عموم البلوى كأحد هذه الأسباب، جاء في الموسوعة الفقهية أيضا: يدخل في أسباب التيسير الأعذار الغالبة التي تكثر البلوى بها وتعم في الناس ، دون ما كان منها نادرا ، وذلك أن الشرع فرق في الأعذار بين غالبها ونادرها ، فعفا عن غالبها لما في اجتنابه من المشقة الغالبة .

وإنما تكون غالبة لتكررها ، وكثرتها وشيوعها في الناس ، بخلاف ما كان منها نادرا فالأكثر أنه يؤاخذ به ، ولا يكون عذرا لانتفاء المشقة غالبا ، فإن كان فيه عسر كمشقة الاحتراز عما لا يدركه الطرف من رشاش البول فيعفى عنه أيضا .

ومثل الشيخ عز الدين بن عبد السلام بمن أتى بمحظور الصلاة نسيانا ، فإنه إن قصر زمانه يعفى عنه اتفاقا لعموم البلوى ، وإن طال زمانه ففيه مذهبان :

أحدهما : يعفى عنه ; لأنه لم ينتهك الحرمة.

والآخر : لا يعفى عنه لأنه نادر .

وأصل ذلك في باب الحيض ، فإنه يسقط الصلاة حتى لا تجب ولا يجب قضاؤها ; لتكررها كل شهر ، بخلاف قضاء ما تفطره من رمضان ، فيجب لأنه في السنة مرة .

وأيضا { قول النبي  في الهرة إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم } فقد علل طهارتها بكثرة طوافها أي لعسر الاحتراز عنها لكثرة ملابستها لثياب الناس وآنيتهم ، مع كونها تأكل الفأر والميتة .

وما روي أن { أم سلمة قالت للنبي  : إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر ؟ قال : يطهره ما بعده } وقال : { إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن وجد فيهما أذى أو قذرا فليمسحه وليصل فيهما } .

والتخفيف بالعسر وعموم البلوى يدخل في كثير من أبواب الشريعة . وللتفصيل ينظر ما جمعه السيوطي وغيره في الأشباه والنظائر من الفروع الفقهية .

ومن ذلك في المعاملات : بيع الرمان والبيض ونحوهما في القشر ، وبيع الموصوف في الذمة وهو السلم ، مع النهي عن بيع الغرر .