الأصل في مرحلة الطفولة أن تكون للعب واللهو المباح والتعلم واكتساب المهارات، ولا ضير أن يسند إلى الأطفال بعض الأعمال السهلة التي تتناسب مع سنهم وقدراتهم الجسمية.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى-:
الأصل أن الطفل له حق أن يستمتع بطفولته، وألا نحول طفولته إلى رجولة مبكرة، فهذا يؤثر عليه سلبا، ويحرمه من مرحلة مهمة من مراحل حياته، وهي مرحلة (الطفولة)، ولا بد أن يلعب الطفل في سن الطفولة ويتعلم ما وسعه التعلم، خصوصا لو كان من الموهوبين الأذكياء، ولا يجوز ما تفعله بعض المجتمعات من حرمان للأطفال من التعليم، أو عدم إعانته على التعليم عند عدم استطاعته.
وهناك أعمال من الممكن أن يؤديها الطفل، وهي الأعمال الطبيعية، كمن كان والده مزارعا، فهو يأخذه معه إلى الحقل، في العطلات، أو في أوقات الفراغ، أو كان لوالده (ورشة) فيذهب معه لكي يتقن المهنة التي يمتهنها أبوه، عندئذ هذا لا يكون من باب العمل الممنوع.
وهناك حالة أخرى لا يمنع فيها العمل وهي: حالة الاضطرار، إذا كانت أسرة الطفل فقيرة، ولا تملك ما يكفي لسد حاجاتها الضرورية، فعندئذ لا بأس بأن يعمل الطفل، ولكن عملا يتناسب مع سنه، ومع قدرته على تحمل العمل، فلا يحمل فوق طاقته وسنه.
أما العمل المنظم الذي يكون فيه وقت للعمل، ومقدار معلوم من العمل، ولا ضرورة هنا له، وكان عملا شاقا، فهذا ما لا نجيزه بحال من الأحوال، لأنه ضد فطرة الطفل، وضد طبيعته في هذه المرحلة من السن، هذه المرحلة التي يكون فيها الطفل أحوج ما يكون إلى اللعب والتدليل، لا إلى العمل بقسوته ومسؤوليته.
ويقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر:
إن العمل قيمة إسلامية بغض النظر عن شخص العامل، ولهذا فإن كثيرًا من النصوص الشرعية تحض على العمل، من هذه النصوص قول الحق سبحانه وتعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، وقول رسول الله ﷺ: “من أمسى كالاً من عمل يده بات مغفورًا له”، ولكن ينبغي أن يكون هذا العمل مناسبًا للعامل.
والطفل إذا كان صغيرًا، بأن كان لم يبلغ الحلم بعد، بحيث يكون دون العاشرة مثلاً، أو دون الثالثة عشرة، فلا بد أن يراعى نوع العمل الذي يعطى له، بحيث يتناسب مع قوته الجسمانية حتى لا يجهده هذا العمل ويسلمه إلى الهلاك، أو الانقطاع عن العمل إذا كان هذا العمل شاقًا لا يتناسب مع قوته البدنية؛ ولهذا فقد كان كثير من الأطفال في زمان رسول الله ﷺ يعملون، بل كان منهم من يريد أن يجمع الزكاة في زمان رسول الله ﷺ، ليكون جابيًا للزكاة من مواطنها المتعددة، وهو عمل شاق نوعًا ما.
فإذا كان العمل مناسبًا للطفل، وكان الطفل من الجلد والقوة بحيث يتمكن من القيام بهذا العمل، فليس هناك ما يمنع شرعًا من استعمال هذا الطفل أو ذاك في أداء هذه الأعمال، بل ربما كان بعض الأطفال لديهم من المقدرة في أداء بعض الأعمال ما لا يتمكن غيرهم من الكبار من إنجازه، والأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى، ولكن المحظور في استعمال هؤلاء الأطفال هو استعمال الأطفال في أعمال شاقة لا تتناسب مع قواهم البدنية، أو استعمالهم طوال ساعات النهار؛ لأن هذا الطفل له صبوة، وهو ميال بطبعه للهو واللعب، ففي هذا العمل الشاق الطويل حرمان له من هذا اللهو أو اللعب الذي يحرص عليه الأطفال غالبًا.