المختلس ليس كالسارق في الحكم ،فإن حكمه يختلف باختلاف حال اختلاسه ،فقد يعاقب بعقوبة أكبر من السارق أو أقل منها حسب حالة الاختلاس.
المختلس والسارق؟
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
المُخْتَلِس ليس حكمه كحكم السارق، بل تكون عقوبته على قدر جُرْمِه وخطره، فأحيانًا يكون حكمه أشد من حكم السارق، وأحيانًا يكون حكمه أخف من حكمه.
لكن أحب أن أعرِّفَ أولاً الفرق بين المختلس والسارق:
المختلس هو الذي يَخُون الأمانة، فيأخذ من الأموال التي ائتُمِنَ عليها شيئًا لنفسه بحيلة من الحيل المذمومة شرعًا وعُرْفًا. فإذا كان الشيء الذي أخذه قليلًا عُوقِب على أخذه بحَسَب ما يراه الحاكم رادعًا له ولأمثاله مع تقدير الظروف التي حَمَلَتْه على ذلك.
أما إن كان قد اختلس أموالًا كثيرة تَرتَّبَ على أخذها ضياعٌ لحقوق الدولة أو حقوق الأفراد وتكرر منه ذلك فهو مفسد في الأرض يُعاقَب بما ورد في آية المائدة (آية: 23) وهي قوله تعالى: (إنما جَزَاءُ الذينَ يُحارِبونَ اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْنَ في الأرضِ فسادًا أنْ يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُم مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوْا مِن الأرضِ ذلكَ لهم خِزْيٌ في الدنيا ولهم في الآخرةِ عذابٌ عظيم).
والحاكم مُخَيَّر بين هذه العقوبات الأربعة حسب الظروف والأحوال والأهوال التي تنشأ من هذه الخيانة، فإن تسبب هذا المختلس في قتل نفس قُتِل. وإن تسبب في قتل نفس وهَدَّد الأمن بسلوكه الشرير قُتِل وصُلِب. وإن ترتب على خيانته ضياع المال قَطَع الحاكم يده اليمنى ورجله اليسرى. وإن أخاف الناس فقط سُجِنَ حتى تظهر توبته أو يموت في السجن. هذا هو حكم المختلس.
أما حكم السارق فمعروف لدى أكثر الناس، وهو قطع يده اليمنى، فإن سرق مرة أخرى قُطِعَت يده اليسرى.
والسارق هو الذي يأخذ المال خُفْية عن مالكه من حِرْزه الذي وضعه فيه، وكان المال الذي أخذه يساوي ربع دينار من ذهب، وهو ما يُقَدَّر بنحو جرام وربع، وكان السارق غير مضطَّرّ لشدة جوع أو لسداد دَيْن يهدده صاحبه بالسجن أو بالقتل وما أشبه ذلك من الضرورات المُلِحَّة؛ فالضرورات تُبيح المحظورات، ولكن الضرورة تُقَدَّر بقدرها، ولا يَعرِف قدرَ الضرورة إلا أهلُ العلم، فإن أفتى أهلُ العلم بأن ضرورته تبيح له ذلك رُفِعَ عنه الحد، ولكن يُعاقَب بما دون ذلك.
متى يعاقب السارق؟
هذه الشروط نَصَّ عليها الفقهاء في كتبهم فقالوا: إن كان قد أخذ الشيء في العلانية فهو مغتصب لا تُقْطَع يده، ولكن يُؤخَذ منه ما أخذه إن كان معه، أو يَغْرَم ثمنه إن كان قد باعه أو تَلِفَ منه، ثم يُعاقَب بعقوبة تَردَعه وتَرْدَع أمثالَه إن كان قد أخذه من غير حِرْزه، بمعنى أنه وجده في الطريق أو في مكان عام، فإنه لا يُعتبَر سارقًا بل يكون حكمه حكم المختلس أو المغتصب.
وإن كان قد أخذ من المال ما لا يساوي ربعَ دينار، أو أخذ منه ما يدفع به حاجتَه المُلِحَّة فإنه يُعافَى من قطع اليد، ويُكتفَى بتأنيبه أو ضربه إن رأى الحاكم أنه يَستحِق ذلك.
فقد ثَبَتَ أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لم يُقِم الحَدَّ على مَن سرقوا جَمَلاً فنحروه وأكلوه، حين علم أنهم كانوا مُضطَّرِّين لذلك، وكانوا رقيقًا لحاطب، وقال عمر لحاطب: أراك تُجِيعهم، والله لأُغَرِّمَنَّك غُرْمًا يَشُقُّ عليك. وقد رفع عمر حدَّ السرقة في عام المجاعة.
والإسلام دقيق في تشريعاته، سَمْح في مبادئه وأحكامه، فشَرْعُه شرع حكيم تَقَطَّعَتْ دونه أعناقُ المُشَرِّعين.