قال ابن القيم: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين، ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى.
قال الحافظ ابن حجر في “الفتح”: وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخلافهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه.
والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه، من إقعاد ولا غيره ولا ضيق في قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب. وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة. بل إن نظيره في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وألماً لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه. وإنما أتي اللغط من القياس على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عليهم لئلا يتدافنوا ، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله، وقد ثبت بالأحاديث ما ذهب إليه الجمهور، كقوله: “إنه ليسمع خفق نعالهم” وقوله: “تختلف أضلاعه” لضمة القبور، وقوله “يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق” وقوله “يضرب بين أذنيه” وقوله “فيقعدانه” وكل ذلك من صفات الأجساد.
وقال الدردير في كتابه “الخريدة” والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يقبر، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب، إذ لا مانع من أن يخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو بعضها نوعا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب ولذة النعيم، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يرى أثر العذاب عليه، حتى إن من أكلته السباع أو صلب في الهواء يعذب وإن لم تطلع على ذلك.
ثم قال: ومن عذاب القبر ضغطته، وهي التقاء حافتيه حتى تختلف أضلاع الميت، وتختلف باختلاف العمل، حتى إن الصالح تضمنه ضمة الأم الشفوق على ولدها.