الأصل أن الصيام لا يجب على الصبي ما لم يبلغ، للحديث الصحيح الذي يفيد رفع القلم ـ أي الحساب ـ عن الصبي حتى يبلغ ، وعلينا أن نأمر الصبيان بالصيام إذا قاربوا البلوغ ولا ننهاهم عنه ، لكي يعتادوه وينشؤا عليه .إلا أن يكون ضعفهم ظاهراً واستمروا في الصيام حتى يُخاف عليهم وتأكدنا من إضرار الصيام بهم ، فلا مانع من نهيهم عنه بلطفٍ مع بيان الحكمة من الصيام ، وأنه لا يقصد به التعذيب .
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
الصوم كسائر التكاليف، لا يجب على المسلم إلا عند البلوغ، وذلك لحديث: “رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق”. رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه .
لكن بعض العلماء أوجب على الصبي إذا بلغ عشراً أن يصوم، وذلك لحديث: “إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان. رواه ابن جريج .
وكذلك قياساً على الصلاة التي أمر النبيُّ ( ﷺ ) بضرب الغلام عليها إذا بلغ عشراً .
لكن الرأي الأول هو الصحيح، وهو عدم وجوب الصوم إلا بالبلوغ، ومن هو دون العشر ليس هناك خلافٌ في عدم وجوب شيءٍ عليه، من صلاةٍ وصيامٍ وغيرهما، ولكن مع ذلك يستحب أن يمرن على العبادات؛ لأن النبي ( ﷺ ) أمرنا أن نأمرَ أولادنا لسبع سنين، كما رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ .
وكان الصحابة يمرنون أولادهم على الصيام أيضا .
روى البخاري ومسلم عن الرُّبـَيِّع بنت مُعَـوِّذ بن عفراء أنهم كانوا يصومون عاشوراء ويصوِّمون صبيانهم الصغار، ويذهبون بهم إلى المسجد، ويجعلون لهم اللعبة من الصوف، فإذا بكى أحدهم من أجل الطعام أعطوه إياها حتى يحين وقت الإفطار، وكل هذا في الأولاد الذين يطيقون الصيام .
أما من كان فيهم مرضٌ أو صحتهم ضعيفة يزيدها الصوم ضعفاً، فليس على الآباء والأمهات أن يأمروهم بالصيام .
لكن لا ينبغي أيضاً أن ينهوهم عنه بل يتركونهم يجربون ذلك بأنفسهم، وإن أطاقوا استمروا وإلا فإنهم سيتركونه باختيارهم .
وعلى الآباء والأمهات أن يمدحوا في أولادهم عزمهم على الصيام وأن يبينوا لهم حكمة تشريعه بلباقةٍ وكياسةٍ، وسيكون استمرارهم في هذه التجربة أو عدولهم عنها باقتناع، وهذا منهجٌ تربويٌ سليم .