صلة الرحم من آكد الواجبات التي يتقرب المسلم بها إلى ربه تعالى ، وهي تجلب البركة في العمر وفي المال ، وعلى المسلم أن يحرص عليها بقدر استطاعته ، فالله لا يكلف الإنسان ما يستطيع ، فليصل المسلم أقاربه بالزيارة ولو بين الحين والحين ، والسؤال عنهم ، والإهداء لهم إن تيسر بدون تكلف ، فإن لم يتيسر له اللقاء بهم فلا أقل من أن يتصل بهم عن طريق الهاتف ، وكذلك عن طريق البريد ، وغير ذلك من وسائل الاتصال التي يسرها الله عز وجل .

ولكن لا يجوز قطع الرحم مطلقا ، ولو كانوا أهل سوء ، ومسيئين إلى قريبهم ، فمقابلة السيئة بالحسنة له أثر طيب في تليين القلوب ، ونشر المودة بين الناس .

يقول الأستاذ الدكتور أحمد يوسف سليمان:

صلة الأرحام من الأمور التي حث عليها ديننا الحنيف، لما فيها من التكافل الاجتماعي والتعاون والتضامن والشعور بدفء القرابة ولذلك يقول الله تعالى: “فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم”، فقرن الله عز وجل في هذا الاستفهام الإنكاري بين الفساد في الأرض وقطيعة الرحم لأنهما من جنس واحد، وتوعد قاطع الرحم بالعمى واللعن والطرد من رحمته تعالى.

وقد جاء أيضًا في الحديث أنه أول ما خلق الله الرحم تعلقت بعرش الرحمن وقالت: هذا مقام العائذ بك، فقال لها: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من قطع صلة الرحم وقال: ( إنها الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر بل حالقة الدين ) يعني أنها تزيل أصول الدين من القلوب والعياذ بالله.

وينبغي على كل قريب أن يصل قريبه بقدر حاجة كل منهما وقدرته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأقل ما يمكن أن يوصف به صلة الرحم أن يطمئن القريب على قريبه ولو عن طريق التليفون، فهذا أفضل من القطيعة الدائمة وعدم التعرف على أحوال كل منهما بالنسبة للآخر.

وأقصى مدة لذلك ألا تصل إلى درجة القطيعة والهجر، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم الهجر بثلاثة أيام فقال: ” لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.. يلتقيان فيعرض هذا ويعرض ذاك وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “.

وأما بالنسبة للأهل سيئي المعاملة فإنه لا يجوز مقابلة إساءتهم بمثلها، ولا مكافأتهم على سوء صنيعهم بالقطيعة، حتى لو كانوا يسيئون إلى القريب نفسه بالغيبة والنميمة والحسد والحقد، فإن أحد الصحابة قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المَلَّ (التراب المحمى أو الجمر الذي صار رمادا قبل أن يبرد) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك “، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقره على محاولة قطيعتهم ، بل حثه على مواصلة صلته ، ولقوله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” هذا بالنسبة للعدو.. فالقريب من باب أولى. (انتهى).

هذا ، وتحديد أقصى مدة للهجر بثلاثة أيام فإنما هو بالنسبة للهجر الذي يقصد به قطع الصلة ، أما البعد الذي لا يقصد وإنما يأتي عفوا بسبب مشاغل الحياة فلا يكون من الهجر المحرم ، وإنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .