حديث صلاة التسابيح رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه والطبراني، وقد رُوِىَ من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة، كما قاله الحافظ ابن حجر، ومن أمثلتها حديث عكرمة عن عباس الذي قال فيه رسول الله ـ ﷺ ـ للعباس بن عبد المطلب ” إِنِ استطعتَ أن تصليها في كل يومٍ مرةً فافعلْ، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة” .وقد صَحَّحَ هذا الحديث جماعة من الحفاظ. وقال بعض الرواة: إنْ صَحَّ الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد شيئًا.
وذكر الإمام النووي في كتابه “الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار” أن الترمذي قال: قد روى عن النبي ـ ﷺ ـ غير حديث في صلاة التسابيح، ولا يَصِحُّ منه كبير شيء. ورأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسابيح، وذكروا الفضل فيها، ثم روى الترمذي حديث العباس الذي نقله أبو رافع وقال عنه: حديث غريب. ثم قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه “الأحوذى في شرح الترمذي” حديث أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن، وإنما ذكره الترمذي لِيُنَبِّهَ عليه لِئَلا يُغْتَرَّ به، وقول ابن المبارك ليس بحجة.
هذا كلام أبي بكر بن العربي.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي أحاديث صلاة التسابيح وطُرقها، ثم ضَعَّفَهَا كلها وبَيَّنَ ضعفها، وقال النووي: وقد نَصَّ جماعة منهم البغوي والروياني الذي نقل عن عبد الله بن المبارك أنها مُرَغَّبٌ فيها، ويُستحب أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها والحافظ المنذري أورد فيها روايات كثيرة ذكر أن بعضها صحيح وأن فيها اختلافًا كثيرًا وجاء في كتاب المغني لابن قدامة أن أحمد بن حنبل قال عنها: ما تعجبني ، قيل له: ولِمَ ؟ قال: ليس فيها شيء يَصِحُّ ونَفَضَ يده كالمنكر.
وبعد عرض هذه الأقوال والآراء يمكن أن يقال: إنه لا مانع من صلاتها. فإنها فضيلة، والأحاديث الضعيفة تقبل في فضائل الأعمال كما قاله كثير من العلماء. وهي من جنس الصلوات، وفيها ذكر لله، ولم تشتمل على ما يَتعارض مع الأصول الثابتة. أما كيفيتها فهي أربع ركعات، تصلى ركعتينِ ركعتينِ، أو تصلى أربعًا بِنِيَّةٍ واحدةٍ. يَقرأ المصلي في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة وبعد السورة وقبل الركوع يُسَبِّحُ خمسَ عشرَ مرة، وفي الركوع يسبح عشرًا وفي الاعتدال منه يسبح عشرًا، وفي السجود الأول كذلك، وبين السجدتين كذلك، وفي السجود الثاني كذلك، وعقب السجود الثاني كذلك، فالجملة في الركعة الواحدة خمسٌ وسبعون تسبيحة، وفي الركعات الأربع ثلثمائة تسبيحه، وليست هناك صيغة معينة للتسبيح، ومن أمثلها “سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر”.
وأؤكد أن صلاتها ليست بدعة، فهي كصلاة أي تطوع زِيدت فيه هذه التسبيحات ، وتسبيح الله مأمور به بُكْرَةً وأصيلا، والصلاة خير موضوع، وما دام بعض الفقهاء قال بها، فلا وجه للإنكار عليها.
وفضل هذه الصلاة كما في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة، وقول النبي للعباس فيه: “يا عَمَّاهُ أَلا أُعطيك ألا أَمنحك ألا أَحبوك ألا أفعل لك عشر خصال إذا أنت فَعَلْتَ ذلك غَفَرَ الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمْده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته عشر خصال أن تصلي أربع ركعات”.
وينبغي أن نعلم أن الذنوب التي تكفرها صلاة التسابيح هي الصغائر، أما الكبائر، فلابد لتكفيرها من التوبة النَّصوح، ويقال مثل ذلك في الصلوات النافلة التي يجزى عليها بالمغفرة.